احتجنا لأشهر طويلة لنتأكد أننا كنا ندير صراعاتنا السياسية بنوع من العبثية ، فقد اقتنع فرقاء الحياة السياسية أخيراً بأن البلد لم يكن ليحتمل مزيداً من الخضات وتراجع البعض عن كبريائه والبعض الآخر عن شططه وانضم إلى ركب المطالبين بإعادة ترتيب البيت اليمني الذي كان معرضاً للهزات إذا ما سار كل طرف في طريق مختلف عن طريق الآخر. بعد اتفاق حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم وأحزاب تكتل اللقاء المشترك المعارض بتأجيل الانتخابات التشريعية لعامين إضافيين يكون الطرفان قد سلما بحقيقة أن البلد كانت ذاهبة إلى انقسام وتشرذم، وكان الإصرار على التمترس كل وراء موقفه دليل حدية سياسية لا يجب أن تتكرر في الحياة الحزبية في البلاد، ذلك أن الفترة الماضية أكدت أنه لا بديل عن الحوار للوصول إلى ما نريده لمستقبل هذا البلد، الذي عاش ولا يزال يعيش تأثيرات الحقبة الشطرية التي أثرت على حياة أبنائه كافة منذ قيام دولة الوحدة وحتى اليوم. لا أريد أن أقول إنني مرتاح لتأجيل الانتخابات، خاصة وأن هذا التأجيل طويل جداً، إذ أنه كان يكفي نصف هذه الفترة لإنجاز ما يختلف عليه الجميع، غير أن تصور ما كان سيحدث في غياب هذا الاتفاق يجعلني وغيري الكثير يبارك مثل هذه الخطوة، مع مراعاة أنها "صحوة متأخرة" من الطرفين؛ فقد كان بإمكان الطرفين المتنازعين أن يتفقا على ما هما عازمان على الاتفاق عليه خلال أقل من العامين دون الحاجة إلى هذا التأجيل وإدخال البلاد في دوامة من الصراعات السياسية التي لا لها أول ولن يكون لها آخر. لقد احتجنا إلى وقت طويل لنتفق وإلى إهدار أموال كثيرة حتى نعود إلى المربع الذي كنا عليه قبل قرار التأجيل، وأعتقد أن العقدة ستستمر لو تركنا لنوازعنا الذاتية ولحساباتنا السياسة أن تلعب لعبها هذه المرة في ملعب السنتين القادمتين، وركنا إلى طول الوقت؛ فنتكاسل في التوصل إلى اتفاق ينهي حالة الضبابية في المواقف التي نتبناها اليوم بالنسبة لقضايا الخلاف السياسي. لا بد للطرفين أن يتأكدا أن أحدهما لم يخسر في هذه المعركة، فكلاهما انحنى لتيار المصلحة العامة، وهذا تنازل يحسب لهما لا عليهما، ولا يجب أن يلتفتا إلى الأصوات، سواء من داخلهما أو من خارجهما التي يمكن أن تثير حساسيات من نوع أن هناك طرفا انتصر وآخر خسر. نحتاج منذ اليوم إلى المبادرة في التعامل مع الوقت بنوع من الجدية، والتعامل مع القضايا المختلف عليها بنوع كبير من الحرص على مصالح البلاد، وأن نعود إلى ضمائرنا في إعادة ترتيب أوراقنا والانطلاق في معالجة نقاط الخلاف بروح وطنية مسؤولة، على أن يكون العامان المقبلان فترة حقيقية لإعادة ترتيب البيت اليمني الذي تصدع من جراء التجاذبات السياسية التي أرهقت الأحزاب والوطن على السواء. * ( السياسية )