في اللَّحظة التي كُنتُ فيها في مُستشفى الثورة العام لزيارة طبيبٍ أعرضُ عليه مُشكلةً صحِّيَّة - وقاكم اللَّه شرّ كُلّ المشاكل الصحِّيَّة - تسمَّر نظري على رَجُلٍ بدا من شكله العام أنَّه لا يزال شابَّاً، لكنَّ رَجْلَيْه تسحبان في الأرض سحباً، هالتني دُموعه التي تسيل على خدَّيه بغزارة، فعزوت الأمر لألمٍ سيطر على جسده، فلم يتمالك نفسه ولم يُطِقْه، فبكى، وانظُر إلى الأمر من زاويةٍ أُخرى، حين يبكي الرجال، ذلك بالطبع هُو منطق الشرقي، وإلاَّ فإنَّ البُكاء خاصِّيَّةٌ إنسانيةٌ تُقرِّب الإنسان من ذاته وتجعله أكثر صفاءً وأكثر قُرباً من البشر. اقتربتُ من الرَّجُل، ومن مُرافقه الذي ظلَّ يُحاول أن يحمله بكُلِّ ما أُوتي من قُوَّة، ورِجْلاه لم تعودا قادرتين على حمله، سألتُ المُرافق : هل هُو قريبك؟ قال : نعم، قُلتُ : ماذا ألمّ به؟ وكعادتنا نحنُ اليمنيين وببراءةٍ نشتهر بها، راح يحكي الحكاية، قال : هُو ضابط، وكان كالصاروخ شديداً حتَّى تزوَّج، قُلتُ : وما علاقة الزواج بصاروخيته ورُجُولته؟ قال : من يوم أن تزوَّج بدأ «يشرب» حُبوب فياجرا، كُلّ يومٍ حبَّة، قُلتُ : هل كان يُعاني من ضعف، من مرضٍ ذهب به إلى الطبيب، فقرَّر له تعاطي الحبَّة الزرقاء، طبعاً وأنا أشكّ أنَّ طبيباً ما سيُقرِّر بتلك الصُّورة، قال : لا، هُو قرَّر من نفسه، ولا كان به شي، بس يشتي يثبت لها إنّه رجَّال!! ضحكتُ وقُلتُ له : شكله العام يُبيِّن أنَّه رجَّال، قال : أَيْوَه، ما تفعل، قال يشتي يقع رجَّال أكثر، واستمرَّ على ذلك شُهوراً، حتَّى بدأ يشعر أنَّ جانباً من جسده بدُون إحساس، وشيئاً فشيئاً حتَّى سقط، وكما تراه الآن، رَجُلاً شبه مُتهالك، أو هُو مُتهالكٌ بالفعل يجرّ قدميه جرَّاً، والسبب الاستخدام الخاطئ لحُبوب الفياجرا بدُون استشارة الطبيب وبدُون حاجةٍ طبِّيَّةٍ لها من الأساس. تلك صُورةٌ من صُورةٍ أشمل ترى معالمها واضحةً أمام الصيدليات التي أصبحت ك «نبات الفطر»، تجدها في كُلِّ مُنعطفٍ وزُقاقٍ وحواري وشوارع المُدن، لم يَعُدْ أحدٌ يلتزم بقانونٍ يُقال إنَّه يُحدِّد المسافة بين صيدليةٍ وأُخرى، لا أدري مَنْ يمنح كُلّ هذه الصيدليات تراخيصها؟! ولأنَّها انتشرت كالدبَّابات والدرَّاجات النارية، ولأنَّ الكُلَّ يبحث عن رزقه والأجهزة الرسمية تقف موقف المُتفرِّج، صارت تبيع أيّ شيءٍ وكُلّ شيء، ولم يَبْقَ إلاَّ «القات» و«التُّمباك» تبيعه تلك الصيدليات أو ما تُسمَّى كذلك!! مع الاحترام لأصحاب الصيدليات المُتخصِّصين والمظلومين، فيُمكنكَ أن تشتري أيّ دواءٍ بدُون المُرور على الطبيب، ولا تجد صيدليةً تسألكَ عنه، وقد سألتُ صديقاً - برغم عدم تخصُّصه، لكنَّه يعمل في صيدلية والده - : ما هُو الدواء الأكثر مبيعاً؟ قال : الفياجرا بأنواعها، وطلب منِّي الجُلوس لمُراقبة مُعظم الداخلين إليه ماذا يُريدون، لأجد النسبة الأكبر تطلب الحبَّة الزرقاء، قال : تعال بعد المغرب وسترى العجب!! وانظُر إلى هؤلاء، يُخزِّنون ويُدخِّنون ولا يتغذّون جيِّداً وجريٌ إلى الصيدليات لا يدرون عواقب الاستخدام العشوائي للفياجرا، فقط يرون الإعلانات للسهرات المُمتعة، وهات يا بلع، السُّؤال : هل تُوجد نقابة صيادلة تقول للصيدليات : ما تفعلونه جريمةٌ مهنية؟ وهل تُوجد مكاتب للصحَّة تقول لنا : كيف يتمّ منح كُلّ هذه التراخيص لفتح صيدليات؟ فعلى حدّ علمي أنَّ هُناك ما يُنظِّم ذلك كمحطَّات البترول، لكنَّ الواقع يقول إنَّ الكُلَّ غائب، باستثناء ما نراه من ضحايا في المُستشفيات. الثورة