عبد الكريم سلام (سويس انفو) - صوّت مجلس النُّواب اليمَني يوم الخميس الفائت بالأغلبية المُطلقة على مُقترح لتعديل دستوري، تقدّم به نواب الحكومة والمعارضة على السّواء، يسمح بتمديد فترة المجلس التشريعي لعامَين إضافيين، حتى يتمكّن خلالها الطّرفان من التّوافق على إصلاحات دُستورية وانتخابي، ظلّت المعارضة تطرحها كشرط لخَوض أيِّ مُنازلة انتخابية مع الحِزب الحاكم. ووافق المجلسُ على إحالة المُقترح إلى لجنة خاصّة للتصويت لدراسته، ومن ثَمّ التّصويت عليه في غضون 60 يومًا، قبل نهاية المجلس الحالي، طِبقًا للمُقتضيات الدستورية، ممّا سيُمدِّد عُمره إلى ثمان سنوات، بدلاً من ستِّ. ومن المنتظر أن يُقر في العامَين الإضافيين عددًا من التشريعات، ذات الصِّلة بالقانون الانتخابي وتشكيل اللّجنة العليا للانتخابات والاستفتاء، وإدخال نِظام الاقتراع بالقائمة النِّسبية، الذي تُطالب به المعارضة. وتبايَنت التفسيرات لقَبول الحزب الحاكم "المؤتمر الشعبي العام" بتأجيل الانتخابات النيابية والدّخول في جولة جديدة من الحِوار مع المعارضة. فهناك من عزا هذه الخطوة إلى تحوّلات ومتغيِّرات مهمّة طرأت على الصعيدين الداخلي والخارجي، عملت على تزايُد الضغوط على السّلطة، وهناك من رأى أنها مجرد محاولة استِدراكية لإعادة الحيَوية إلى النّهج الديمقراطي الذي كان قد بدأ يفقِد وهجَه مع تفاقُم الخِلافات بين الحزب الحاكم والمعارضة. تحدِّيات أمنية واقتصادية فعلى الصعيد الداخلي، عرف اليمَن تحدِّيات كبيرة، على المُستويين الأمني والاقتصادي. أمنِيًا، طرحت التّهديدات الجديدة لتنظيم القاعدة مخاطِر كبيرة على الحكومة اليمنية، التي عرّضت الشراكة في مكافحة الإرهاب مع الدّول الأخرى، إلى امتحان عسير، فيما ظلت الحركات الاحتجاجية في الجنوب، تُعاوِد الظُّهور من حين لآخر، كما أن حرب المتمرّدين "الحوثيين" في شمال البلاد، ما زالت آثارها باقية وفي انتظار تحقيق الوُعود التي قدمت لمعالجتها. واقتصاديًا، وضعت الأزمة المالية العالمية اليَمن أمام تحدِّيات غير مسبوقة، نتيجةً لتراجُع أسعار النّفط في السوق الدولية، التي تشكِّل أزيد من 60% من موارد الخزينة العامّة، واضعة بذلك حدًّا لنُموّ الموارد الرَّيْعية للنفط، التي استمرت منذ عام 2001، وعلى إثر ذلك، اضطرّت الحكومة إلى تقليص النّفقات العامة (عدا الأجور) بواقع 50% (بعد أن كانت وضعت تقديراتها على أساس أسعارِ النفط قبل انهيارها)، فيما عوّلت على المِنح والمُساعدات لتغطِية تلك الفجْوة التّمويلية، التي سبَق أن تعهَّد مانحون إقليميون ودُوليون بتقدِيمها لليَمن، خلال مؤتمر لندن الذي عُقد تحت رعاية المؤسسات المالية الدولية عام 2006 وإلتزَمت خلاله الحكومة بتنفيذ جُملة من الإصلاحات، التي تعزِّز مسار الديمقراطية الناشئة في اليمن. تلك المُعطيات مجتمعة، دفعت بعض المراقبين إلى الرّبط بينها وبين التحوّل المفاجِئ في موقِف الحزب الحاكِم من تأجيل الانتخابات التشريعية وقَبوله الدّخول في جولة جديدة من الحِوار مع المعارض، بهدفِ ضمانِ مُشاركتها في الانتخابات، غير أن مصادِر رسميّة قلّلت من ذلك وأرجعت التوصّل إلى ذلك الاتِّفاق إلى "حِرص الرئيس علي عبد الله صالح وحِزبه على الحِفاظ على حيوية التجربة الديمقراطية وإجراء انتخابات تُشارك فيها جميع ألوان الطَّيف السياسي". لكل طرف تفسيره وفي تعليق له على ذلك الرّبط، قال طارق الشامي، رئيس الدّائرة الإعلامية في المؤتمر الشعبي الحاكم لسويس انفو: "إن الاتِّفاق جاء محصِّلة لجولات طويلة من الحِوار بين الجانبين"، مشيرا إلى أن "تلك الجولات، إن كانت قد تعرّضت إلى بعض التوترات، فإن ذلك راجِع لطبيعة القضايا التي يدُور حولها الحوار"، والمُهم حسب رأيه، هو إنجاح التجربة الديمقراطية والحِفاظ عليها، كمكسب للجميع. وحول الأسباب التي أدّت إلى الاتِّفاق المفاجئ بين الطَّرفين بعد طُول خلاف ووُصول العلاقة بينهما مرحلة حرِجة، قال علي الصراري، القيادي في تكتل المعارضة وعضو المكتب السياسي للحزب الاشتراكي اليمني لسويس انفو: "في ما يتعلّق بموقِف المعارضة طوال المرحلة السابقة للِّقاء المشترك، كان يُطالب بتنفيذ الاتِّفاقات الموقّعة بينه وبين المؤتمر الشعبي العام، ومنها بالذّات، الخاصة بتوصِيات بِعثة الاتحاد الأوروبي، التي وقّع عليها الجانبان في ديسمبر 2006، عقِب الانتخابات الرئاسية والمحلية، وتضمّنت تلك التوصِيات جُملة من إصلاحات العَملية الانتخابية لجهة قانون الانتخابات وتشكيل اللجنة العليا، لكن منذ ذلك الحين، جرَت عملية تسويف ومُماطلة". واستطرد الصراري موضِّحا: "لكن في الآونة الأخيرة، مع بدءِ العدِّ التّنازلي لموعد التحضير للانتخابات التشريعية ونتيجة قِصَر المدّة الزمنية، وجد اللِّقاء المشترك، من الناحية الموضوعية والعملية، أن تمسُّكه بتنفيذ تلك التوصِيات، يحتاج إلى مدّة كافية، حتى يتِم تعديل الدستور والتّحاور والاتِّفاق على بنود التعديلات، التي ستدخل على قانون الانتخابات، لا سيما أن الوقت السّابق ضيّع في حِوارات عبَثية، والنتيجة ستكون هي التّأجيل، فوافَقنا على التّمديد، حتى نتمكّن من إجراء الانتخابات بعدَ تنفيذ الإصلاحات". الأمر الآخر، حسب ما يذهب إليه القِيادي المعارض، هو أن "أعضاء المؤتمر الشعبي العام، بعد أن كانوا يؤكِّدون أنهم سيمضون للانتخابات منفردين، لابُد أنهم أدركوا أن السَّير المُنفرد إلى الصندوق، ستكون آثاره كبيرة على المستوى السياسي وعلى العملية الديمقراطية". الإصلاحات أم الانتخابات؟ وفيما رأى البعض في اتِّفاق السلطة والمعارضة انتصارا لهذه الأخيرة، يرى الصراري أن "التوصُّل إلى الاتفاق، ليس فيه نصْر ولا هزيمة لأي طرف، وإنما يُمثل فُرصة للطّرفين، أجّلت الأزمة ووفّرت المناخ الذي سيُساعد على بحث القضايا الخلافية في جوّ من الهدوء، بدلاً من أجواء التوتُّر التي هيمَنت قبل الاتِّفاق، وهو عمومًا لم يقدِّم مكسَبا لأحد، لأنه لم يقِف على كل المشاكل ولم يطرح لها الحلول، وجميع تلك القضايا ما زالت في إطار النقاش". التّركيز على المسألة الانتخابية، كما بدا من خلال اقتصار بُنود الاتفاق على إيجاد ظروف مناسبة لمراجعة قانون الانتخابات، بما فيه اعتماد نظام الاقتراع بالقائمة النسبية الذي تُطالب به المعارضة، أظهر المسألة كما لو أنها اختزلت المُشكلة في جزئية الانتخابات، على الرّغم من أن القضايا التي ظلّت ترفعها المعارضة، أوسع بكثير من ذلك، وتتعلّق بإصلاح سياسي ودستوري شامل. ويطرح هذا التمشي أكثر من علامة استفهام حول جدّية المعارضة في تسوِية الملفّات، التي ظلّت تتصدّر أولويات اهتمامها، كما يُعيد الحديث حول الصَّفقات التي تُسوّى بين الجانبين، ممّا قد يفضي إلى زعزعة الثقة، ليس فقط بالأحزاب السياسية، بل وبالمسألة الديمقراطية على حدٍّ سواء، خاصة وأن مِثل هذه الآراء بدأت تتبلوَر منذ بدءِ الحديث عن هذا الاتفاق في وسائل الإعلام، والتي على إثره تعالت أصوات منتقِدة لتكتُّل المعارضة واتّهمته بالتفريط بالمطالب الإصلاحية الشاملة وتركيزه فقط على الجُزئية الانتخابية. نقطة تحول حقيقية .. أم مؤقتة؟ وفي تعليقه على ذلك، أكّد علي الصراري أن الاتفاقية، وإن عالجت الانسِداد السياسي المتمثِّل بالتّرتيب لانتخابات يقبل الجميع بقواعدها، لكنها ستؤدي - حسب رأيه - إلى تهيِئة الأجواء السياسية لبحث المشاكِل الأخرى، التي قال إنها ستُطرح على الطاولة، لأن هذا "هو الوقت المناسب لتسوية المشاكل الكُبرى، التي تُعاني منها البلاد على أكثر من مستوى، وليس في مصلحتها أن تظلّ معلّقة"، على حد قوله. عمومًا، يمكن القول أن هذا الاتِّفاق مثَّل في نظر المراقبين والمُتابعين نقطة تحوُّل بارِزة في سماء الحياة السياسية، التي عكَّرتها خلافات السلطة والمعارضة طيلة الفترة السابقة، لكن على الرغم من نَشوة الفرَح التي تخامر الكثيرين جرّاء الانفراج الذي ترتّب على هذه الخطوة، فإنه من السّابق لأوانه الحديث عن تحوّل حقيقي طويل المدى للتوافقات السياسية، خاصة أن تاريخها السياسي حافِل بوقائع كثيرة من الأزمات، التي كثيرًا ما أدّت إلى انتهاء شهر العسل قبل أوانه، إن لم تتحوّل إلى خصومات ومواجهات شرِسة، مثلما حصل في حرب صيف 1994 بين شريكيْ توحيد البلاد، الحزب الاشتراكي اليمني "والمؤتمر الشعبي العام"، ثمّ بين هذا الأخير وحليفه التّقليدي، التجمّع اليمني للإصلاح، وتحوّله إلى قطيعة منذ عام 2001. الأمر الآخر، أن تحسُّن العلاقات بين السلطة وأي من اللاّعبين السياسيين، ارتبط دوْمًا بتقاسُم غنائم الرَّيْع السلطاني، وبالتالي، تترتّب عليه "تبِعات" ما زالت حاضرة في أذهان الكثير من اليمنيين الذين عايشوا بعض تِلك المراحل التوافُقية، بين أطراف اللُّعبة السياسية في الساحة اليمنية. باب مفتوح لكل الاحتمالات الخلاصة، أنه بقدْر ما حملته هذه الخُطوة من فتح باب للأمل لتجاوز حالة الاحتقان السياسي بين السلطة والمعارضة، يبقى من السّابق لأوانه الجَزم بأن اليمَن قد ولَج إلى مرحلة جديدة من التّوافق، لا سيما أن اشتِداد الخلافات بين الفريقين خلال الفترة الماضية، لم تتولّد إلا عن الجولات الحوارية التي كانت تُنظّم بهدف الخروج من مأزق منازعاتهم، وهو ما يترك الباب مفتوحا لكل الاحتمالات ولا يبعَث على التفاؤل بتجاوز أطول أزمة عرفتها الساحة اليمنية بين السلطة والمعارضة منذ حرب صيف 1994.