اليمنيون وإن اعترت تجربتهم أخطاء إلا نهم يناقشون إدارة الدولة وينتقدون السلوك السياسي للقيادة دونما وجل، فسقف الحرية عندهم الوحدة. يبدو اليمن من الداخل بخلاف ما يصوره الإعلام الخارجي، ويعترف كبار الساسة هناك أن اليمن لم يخلُ يوما من الأزمات والتحديات، هذا ما قاله لنا رئيس الوزراء الأسبق د. عبد الكريم الأرياني نائب رئيس المؤتمر الشعبي العام في "جسلة قات" لإجراء حوار للغد جمعتنا به مع مجموعة من السياسيين في مقيل أحد القيادات الوطنية النضالية وهو اللواء حسين كامل المسودي. الأرياني ورفاقه ممن شغلوا مواقع وزارية بحكوماته تحدثوا عن لبّ التفاصيل ورحلة اليمن من الثورة إلى الدولة إلى الوحدة، وهي كثيرة، تخرجك بعد الحديث عنها بقناعة واحدة وهي أن اليمن لا يمكن أن يعود عن خيار الوحدة، التي قررها الشعب اليمني في استفتاء 1990 وان ما يحدث في البيت اليمني يحدث في أي مكان آخر لكن الإعلام يضيف له ما يضخمه. وان البطالة والفقر هما جوهر المشكلة التنموية اليمنية، والبطالة هي ضريبة موقف اليمن في اعتداء العراق على الكويت، فبعدها عادت مئات الألوف من العمالة اليمنية ما فاقم المشكلة اليوم. خرجت من المقيل بعد سماعي اعترافات عن مواضع خلل ونجاحات في مسيرة عقدين من الوحدة، وعندي سؤال عن أساس الوحدة، وعن النغمة المطلبية في مناطق جنوبية مثل "أبين والضالع"، وهل أنها كانت مختارة للوحدة مع الشمال؟ عندها أشار علي الصديق الوزير السابق المؤرخ د. حسين العمري، أن أطلع على وثيقة الوحدة، وفي اليوم التالي اصطحبني تلميذه د. فؤاد الشامي إلى جناح تابع لمجمع مكاتب الرئيس في احد قاعات المركز الوطن للوثائق، وأدخلني إلى غرفة كبيرة حفظت بها مئات الآلاف من الملفات والاستبيانات، وقال هذه هي وثيقة الوحدة، وبدت وثائق شعبية لمختلف مناطق اليمن وفيها إقرار طوعي للوحدة بعيد عن الاملاءات والنسب التي عهدنا في الاستفتاءات العربية على الرؤساء، ولأنها وثيقة صادقة قرر اليمنيون الحفاظ عليها كمنجز وطني وأحاطوها بحماية جيدة، ولو كانت غير ذلك لأتلفت وما عنى لهم إتلافها شيئا. تنظر النخبة اليمنية وعلى رأسها الرئيس صالح الذي تزعم المؤتمر الشعبي يوم الأربعاء الماضي بتقدير كبير إلى دور أشقاء عرب وقفوا مع الوحدة، وهنا وجدتهم يتذكرون تفاصيل الدور الأردني في الوحدة اليمنية والرسائل المتبادلة التي نقلها أ. د. خالد الكركي بين أطراف الوحدة العام 1993لإنهاء الخلاف الذي تفجر فيما بعد عام 1994. اليوم في حديثهم عن ما بعد الأحداث الأخيرة التي فجرتها احتجاجات ضباط متقاعدين في مدينة أبين بسبب تدني رواتبهم التقاعدية، يقدر اليمنيون الدور الطيب الذي تقوم به المملكة العربية السعودية لدفع دول الخليج لاستيعاب العمالة اليمينية، وفي دول تهدد هويتها الثقافية من ارتفاع عدد العمالة الآسيوية فإن إدخال عمالة يمنية لها هو مكسب من ناحية الأمن الثقافي. يستغرب اليمنيون موقف بعض الفضائيات مثل الجزيرة عندما قابلت رئيس وزراء دولة الوحدة حيدر أبو بكر العطاس وقال: "إذا لم يحقق الجيل الجنوبي الحالي الانفصال فإن الجيل القادم من الجنوبيين سيحققه"، وبرغم أنهم لا يحبون ربط الجزيرة بقناة العالم الإيرانية التي تقول "إن عودة الجمهورية اليمنية الجنوبية بات قريبا". إلا أنهم يأسفون على مواقف من مثل تلك تصدر من فضائيات دول عربية. بالمجمل الثابت اليوم أن اليمنيين وإن اعترت تجربتهم أخطاء إلا نهم يناقشون إدارة الدولة وينتقدون السلوك السياسي للقيادة دونما وجل، فسقف الحرية عندهم الوحدة، وهم أحرار في فكرهم وإعلامهم، والقيمة الأهم عند اليمنيين هي الحرية في النقد الذاتي التي وفرتها تجربة الوحدة وهو ما لم يتوفر عند غيرهم وإن امتلك اكبر منابر الإعلام وأوسعها أثراً. [email protected] *المصدر : الغذ الاردنية