فجأة، وفي ذروة الأزمة السياسية، وبدون مقدمات منطقية، اتفق الحزب الحاكم وتكتل "المشترك"، وأعلنوا للملأ يوم 23 فبراير الماضي الاتفاق على تأجيل الانتخابات النيابية حولين كاملين، وتضمن الاتفاق الموقع بين الحكم والمعارضة -والمؤيد من البرلمان- الدخول في حوار جاد لإعادة النظر في شكل النظام السياسي ككل والانتخابي خاصة من خلال إجراء ما يلزم من التعديلات الدستورية والقانونية. الاتفاق كان ايجابياً، وقوبل بارتياح واسع في حينه، حتى وإن كان عليه أكثر من علامة استفهام، لأنه كان من المهم في ذلك الوقت تهدئة الأجواء المتوترة، وتجنيب الوطن دورة جديدة من الصراع السياسي الذي غالباً ما يتحمل المواطن تبعاته، والالتفات إلى أوضاع البلاد وأحوال العباد التي بلغت من السوء ما لا طاقة للوطن والشعب به. غير أن الزمن توقف عند لحظة توقيع الاتفاق، ولم ينفذ من بنوده سوى تأجيل الانتخابات، وها نحن نقف اليوم على بعد أربعة أشهر وعشرين يوماً من التوقيع، ولم يتقدم المتفقون قيد أنملة لجهة تنفيذ ما اتفق عليه، ومن الواضح أن الجلوس إلى طاولة الحوار - وهي الخطوة الأولى لحلحلة الأزمة –أمر في غاية الصعوبة. ذلك أن أزمة الثقة بين "الحاكم" و"المشترك"، ما تزال العائق الأبرز لتقدمهم نحو الحوار، ويبدو الحرص واضحاً لدى الطرفين، على أن لا يتركا فرصة تمر دون التشكيك في نوايا الآخر وجديته في الحوار، واتهامه بزرع العراقيل ونثر الأشواك في كل منفذ يفضي إليه. ومع مرور الوقت تزداد تعقيدات المشهد السياسي المأزوم أصلاً، خاصة مع وجود التطورات الخطيرة المتصلة بالحراك الجنوبي، هذه التطورات وبالرغم من أنها تزيد من أهمية وقيمة الحوار، والشروع فيه بأقصى درجات الاستعجال، وتوسيع دائرته لتشمل كل أطياف الفعل السياسي والقوى المؤثرة في الساحة الوطنية، إلا أن ما يلوح في الأفق عكس ذلك تماماً، وكأنهم يسعون مع سبق الإصرار والترصد إلى إغراق سفينة الوطن وإهلاك كل من عليها في طوفان الأزمات السياسية المتلاحقة. وبعيداً عن الاتهامات المتبادلة بين طرفي اتفاق فبراير الماضي، أقول أن "الحاكم" و "المشترك" يتحملان كامل المسئولية تجاه ما يجري في البلاد، وإن كانت مسئولية الأول أكبر في ما يحدث، فضلاً عن مسئوليته في إخراج اليمن من هذه الأوضاع الكارثية، باعتباره المالك لأدوات المبادرة وإمكانيات لم الشمل، ومداواة الجراح بعيداً عن تقمص أدوار المعارضة وأساليبها. *(صحيفة الغد)