ما لهذا الجنوب ''دائما'' مضطربا، متوترا، محتربا؟.. الثورات، التمرد، الحروب الأهلية ''معظمها'' ابنة الجنوب غير الشرعية، التي تكون مصدر النزاع والخلاف حول إثبات البنوة، والإرث، والثروات من تركة المال العام. ارتبط الجنوب سياسيا وميدانيا في معظم بلدان العالم بأنه مصدر الأرَق والقلق للحكومات والحكام والمحكومين، وكأنما ليس الجنوب شقيق الشمال، ذلك الابن الباحث في اغلب الأحيان عن الوحدة والاستقرار والأمن لسلامة الأراضي من المطامع، وحماية الثروات! قالوا قديما ''لكل شمال جنوب ولكل جنوب قرنق'' كناية عن أطول فترة تمرد في القارة السمراء التي قادها جون قرنق في الجنوب السوداني.. وذلك مجازا لأن ثورات الجنوب ذات تاريخ تليد أقدم من التمرد السوداني.. حيث لم تقتصر دعوات الانفصال أو التوترات أو الحروب في الجنوب على سوريا ولبنان، أو اليمن والسودان، أو في العراق ''غزو الكويت''، أو فلسطين ''غزة جنوبي الأراضي المحتلة'' وحسب. وإنما طبع الجنوب القالب للانفصال رسمته أحداث التفرقة العنصرية في جنوب أفريقيا، وسطره تاريخ الدولة العظمى أيام ابراهام نيكولن حيث اندلعت الحرب الأهلية الأميركية في الجنوب، عندما طالبت إحدى عشر ولاية جنوبية متمسكة بالعبودية بالانفصال عن بقية الولايات المتحدة الأميركية. تلك الحرب المشهودة التي خلدها العمل الأدبي والسينمائي الرائع (ذهب مع الريح) الذي دارت أحداثه حول المزارعين الجنوبيين في مواجهة صعود المجتمع الصناعي الشمالي أثناء الحرب. وجراح الجنوب وآلامه لم تكن حصرا على فقراء كيسمايو الصومالية التي تعد دائما نقطة الانطلاق الأولى نحو السيطرة في هذا البلد المتمزق، وليس في الأحداث المأساوية في الجنوب الفلبيني أو الاندونيسي، وإنما كانت في عدد من الدول والممالك العظمى.. وليست إحداث بريطانيا وتقسيم ايرلندا إلى شمالية (البروتسانتية) وجنوبية ذات طابع (كاثوليكي) بعيد عن الأذهان.. وكذلك تقسيم كوريا إلى شمالية وجنوبية بواسطة الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي. وحتى الاحتراب الدائر الآن في نيجيريا لم يكن إلا ثمرة للحرب الأهلية التي نشبت لمطامع ولايات الجنوب الشرقي للاستقلال عن الدولة الاتحادية في الشمال وإعلان جمهورية (بيافرا).. فكان النزاع بين شمال مسلم يشمل 12 ولاية تطبق الشريعة الإسلامية وجنوب مسيحي تحت ستار جماعة ''بوكو حرام''. وربما تكون حالة ألمانيا التي قسمت إلى شرقية وغربية هي واحدة من النشاز لتلك القاعدة، ولكن ازدواجية الاحتراب بين الشمال والجنوب تبقى هي الأصل في إثارة المطامع والثروات.. بالرغم من أن الخطاب الرباني (وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها) يدلل على وجود البركة وخيرات الأرض وصلاحها في الشرق والغرب، بما يتمتعان به من اعتدال الجو وخصوبة الأرض عكس الاتجاهين الآخرين الذين يحملا القطبين المتجمدين. الوقت البحرينية