لا ينفك القلق يهيمن على الفقراء في اليمن لاسيما مع ما يشهده سعر صرف العملة الوطنية الريال مقابل الدولار من تراجع في الايام القليلة الماضية إلى مستويات غير مسبوقة للمرة الثانية في اقل من ثلاثة أشهر ، وانعكاسات ذلك وبشكل مباشرة على أسعار السلع والخدمات، ما يؤشر لتفاقم من المستوى المعيشي المتردي للمواطن اليمني اصلا. واعربت الجمعية اليمنية لحماية المستهلك عن قلقها البالغ لهذا التدهور الحاد لسعر صرف الريال ، لافتة إلى أن هذا التدهور يزيد من قلق المستهلكين خصوصا وأن اليمن يستورد ما تزيد نسبته عن 95 بالمائه من احتياجاته الأساسية من الخارج . الجمعية وفي بيان طالبت الحكومة سرعة إتخاذ إجراءات فاعلة ومسؤولة بالشراكة الحقيقية بين السلطات النقدية وكافة الجهات المؤثرة في السوق بغية التوصل الى خطوات عاجلة لمعالجة هذا التدهور ، التي أكدت تأثيراته المباشرة على أسعار السلع الأساسية و تفاقم ظاهرة التضخم السعري . ووفقا لبيانات حديثة للجمعية اليمنية لحماية المستهلك فان هناك أكثر من عشرة ملايين من فقراء المستهلكين في اليمن -اي نصف السكان - بينهم ثلاثة ملايين تحت خط الفقر يعجزون عن الايفاء باحتياجاتهم الأساسية ، مشيرة إلى أن 23٪ من الأطفال يعانون من عوز الغذاء. ويشهد سوق الصرف المحلي منذ عدة ايام تدهورا في العملة الوطنية، بعد تراجع سعر صرف الريال مقابل الدولار إلى مستويات غير مسبوقة حيث تجاوز 222 ريال للدولار الواحد مقارنة ب 206 ريال للدولار مطلع شهر يناير من العام الجاري 2010م و199 ريال للدولار مطلع العام المنصرم 2009م. وأوضحت جمعية حماية المتسهلك إلى أن من شأن ذلك أن يضيف أعباء على كاهل المستهلكين الذين يواجهون صعوبات كبيرة في الايفاء باحتياجاتهم الأساسية وبلوغ الحد الأدنى المفترض من الأمن الغذائي والاستقرار المعيشي -( ما يعني بلوغ حد المجاعة وفقا لمتخصصين) . وأعربت الجمعية عن أملها في أن يتركز اهتمام وزارة التجارة والصناعة في الوقت الراهن على إعادة إحياء الجمعيات الاستهلاكية التى تعنى بالتموين الاستهلاكي كونها تشكل مطلبا ملحا في ظل سوق استهلاكية تعاني من مظاهر الاحتكار والاستغلال وعدم الاستقرار في الاسعار وتفتقد الى التنافسية، وهو ما يشكل تناقضاً صارخاً مع آلية السوق والضمانات التي يكفلها قانون تشجيع المنافسات ومنع الاحتكار. ولم تفلح تدخلات البنك المركزي اليمني بضخ مزيدا من العملات الأجنبية خلال الفترة القليلة الماضية لضبط تدهور العملة الوطنية الريال وكبح جماح انهياره ، وسط انتقادات هيئات رقابية واقتصادية للسياسة النقدية للحكومة ممثلة بماليتها والبنك المركزي والمعتمدة فقط على ضخ العملات الأجنبية دون تحقيق تأثيرات في كبح جماح هذا التدهور المتواصل في سعر الريال. وشهد البرلمان اليمني يوم أمس الاثنين جلسة استجواب لوزير المالية نعمان طاهر الصهيبي ومحافظ البنك المركزي احمد عبدالرحمن السماوي بشأن أوضاع سعر صرف الريال اليمني. واتفق وزير المالية نعمان الصهيبي ومحافظ البنك المركزي في اليمن أحمد السماوي على إرجاع أسباب انخفاض الريال اليمني مقابل الدولار إلى اعتماد إيراد البلد من العملة الصعبة على موارد النفط المتناقصة مقابل الاعتماد شبه الكلي على الاستيراد ما أدى إلى اختلال ميزان المدفوعات لصالح الواردات التي وصلت قيمتها ل(9) مليارات و(300) مليون دولار العام الماضي بينها مليار و(800) مليون لدعم المشتقات النفطية. وشخص الوزير والمحافظ السبب المباشر للتدهور الأخير للريال إلى لجوء الحكومة لتمويل عجز ميزانية العام الجاري البالغة (7.7%) من العجز ( إصدار عملة محلية دون تغطية) وهو مصدر يؤدي لانخفاض قيمة الريال، مشيرين إلى أن تمويل العجز من أذون الخزانة والسندات الحكومية لم يعد كافياً. وأضاف السماوي: إن السياسة النقدية في اليمن تعمل في إطار ظروف تشهد انخفاضاً في تحويلات المغتربين وانخفاض صادرات النفط إلى حوالي ملياري دولار العام الفائت بانخفاض (50%) في سنة 2008م . إلى جانب تقلص الاحتياطيات من النقد الأجنبي إلى (7) مليارات دولار السنة المنصرمة مقارنة ب(8) مليارات السنة قبلها . مؤكداً أنه رافق ذلك زيادة الطلب على الدولار الأمريكي بسبب عوامل نفسية. وأفاد أن البنك المركزي باع (731) مليون دولار منذ بداية العام ما يستنزف - بجوار الالتزامات للخارج - الاحتياطي النقدي لليمن. وبخصوص الإجراءات أوضح وزير المالية أن الحكومة تعتزم تقديم تعديلات لقانون التعريفة الجمركية بما يحدُّ من استيراد وسائل النقل التي قال إنها تستهلك كميات كبيرة من المشتقات النفطية المدعومة، إضافة إلى رفع أسعار الفائدة لطمأنة الناس تجاه الريال وكذا تشكيل لجنة من المالية والبنك المركزي لإصدار صكوك إسلامية تخفف من استغلال السيولة النقدية حسب الوزير. وبين المسؤولان أن الجهات المعنية تعمل بتنسيق الكامل مع الحكومة على تخفيف الآثار التي قد تنجم عن استمرار الضغوط الراهنة على سعر الصرف بالنسبة لمستوى الأسعار في الأسواق المحلية وانعكاسات كل ذلك على ميزان المدفوعات الأمر الذي يمثل تحدياً كبيراً للسياسة النقدية.. لافتين إلى أن البنك المركزي قام بتنفيذ العديد من الإجراءات التي تعمل على تعزيز الثقة في العملة الوطنية، ومن ذلك رفع سعر الفائدة التأشيرية وكذا عدم السماح بوجود سيولة نقدية تزيد عن الحاجة لتمويل الأنشطة الاقتصادية في البلاد. عدد من النواب الذين لم يقتنعوا بأطروحات مسئولي المالية والنقدية تمسكوا بتأكيدات ان تدهور أسعار الريال التي وصلت الاثنين ل 222 ريالاً مقابل الدولار سببه فشل السياسات المالية والنقدية للحكومة ، وتطرقوا إلى انعكاس النواحي السياسية والأمنية على الاقتصاد والعملة، مشيرين إلى أن هناك محافظات واعدة بالاستثمار خارج السيطرة الأمنية وزادو بأنه كان من المتوقع بعد انتهاء فتنة صعدة توقف نزيف المال غير ان ذلك لم يحدث -حد تعبيرهم. كما كشف نواب عن حالة من التلاعب بالعملة الأجنبية في سوق الصرافة، مشيرين إلى متسببين بخلق سوق سوداء ومضاربة بالعملة. وفيما أيد نواب مطالبات بإحالة المضاربين بالعملة إلى النيابة والذين ذكر أن بعضهم أقوى من بنوك محلية ، خلص البرلمان لتشكيل لجنة خاصة تدرس وضع العملة اليمنية مع الجانب الحكومي للخروج بمعالجات.