الظلم ظلمات.. مهما امتدّ به الزمن وطال، لا بدّ من سقوطه وانزلاق كل مفتعليه إلا هاوية الاقدار.. ولكنّ هذا السقوط مرتهِن بخطوة بل خطوات من قِبل الذي يعاني من هذا الظلم. والشعوب، مهما كانت لغتها أو دينها أو لونها وعرقها، هي وحدها القادرة على دحر الظلم أو استمراره. ولأننا في أمتنا العربية، لم نتعود ان نشاهد شعوبا تنقلب على حكّامها، فتغير الأنظمة وتزيح رؤوسها، وكم قرأنا عن ثورات الشعوب الأوربية وتغييرها لأنظمة الحكم في بلدانها.. وكم كنّا نُصاب بالغيرة، حينما نجد أن رأس الهرم في تلك الدول، يُجرّ إلى المحاكم ويُحاسب إذا ثبت خطأه أو تجاوزه أو استغلاله لصلاحيات الوظيفة في أموره الشخصية. وكم كنّا نُصاب بالحسرة.. ونحن نرى الحكومات لديهم، تُنجز وتُنجز وتُنجز.. وفترات حكمها مليئة بالنتائج الإيجابية، ورغم ذلك، لن تسمع قصيدة تمدح ذلك النظام أو تلك الحكومة، ولا مقالا يحصي إنجازتها، بل ربما، لخطأ بسيط، تجد الشعب تثور ثائرته، ويُطالب بإقالة الحكومة واتهامها بالفساد، ولنا من الأمثلة ما لا يُعد ولا يحصى. فلماذا في دولنا العربية بصورة عامة، والإسلامية خاصّة، نجد أن الرؤساء ما إن يصلون لسدة الحكم، حتى يتملكون ويملكون، وتصبح البلاد ومعها العباد شيئا من الممتلكات. وأصبح من واجب الشعب صبح مساء، الدعاء للحاكم وأسرته.. وشكرهم وتبجيلهم وتعظيمهم، وإذا ما خرج صوتا منتقدا أخطاء هذه الأنظمة، وهي كثيرة كحبات رمل البحر.. إما أن يسحقه النظام فيُخفيه من على الوجود، أو يعترض طريقه المنافقين والمطبلين، وحاكوا ضده أبشع المؤامرات، وأسقطوه في "أفخاخ" لا خروج منها. نار "البوعزيزي" أحرقت إلى الآن الأخضر والأصفر لنظامين عربيين، لطالما اعتبرا أحد أقذر الأنظمة، في طغيانها وسطوتها وجبروتها، وتملكها لمصير شعبيها، تونس ومصر.. رحل زين العابدين غير مأسوف على رحيله، ولحق بركب سقوطه مبارك.. وسط تهليل من ملايين المصريين انتشروا عبر أنحاء القاهرة والإسكندرية والسويس والإسماعيلية والمنصورة وبورسعيد وسوهاج وأسيوط ودمنهور وبنها وكفر الشيخ.. إلخ، كبير المدن المصرية وصغيرها.. هللّ الشعب المصري ورقص طربا وفرحا لسقوط مبارك، فرح لم نشاهده حتى وهم يستقبلون منتخبهم عائد ببطولة ما. حينما أصبحت الكرة فرحة المصريين الوحيدة التي تجمعهم. الدول العربية، دقّت ناقوس الخطر بعد رحيل مبارك، والكل، اتجهَ إلى شعبه مخاطبا ومحايلا ومتزلفا، مدعيا الإصلاح والديمقراطية وتعزيز حضور الشعب في قرار السلطة!! فهل كان هذا ليحدث لولا نار "البوعزيزي"؟؟ تونس ومصر ولبنان، واجهة تغيير عربية، لا شكّ أن نموها فيه قلق لأميركا على مصالحها في المنطقة، ويبدو أن إنشغال أميركا بأزمتها الاقتصادية جعلها بعيدة عن القراءة السليمة لأوضاع الوطن العربي.مما ساهم في تفاقم التذمر من قبل الشعوب العربية بمختلف أطيافها ومستوياتها، ومما ساعد لاحقا على تصاعد نبرة الرفض والتحدي، إلى أن أصبحت الشعوب قادرة على تملّك رأيها وقرارها.. بالتالي الوقوف صفا واحدا أمام أنظمتهم ورفضها وطردها من البلاد شرّ طردة. اليوم، التغيير خير علاج للفساد والطغيان. وخيرٌ للشعوب العربية، أن تغيّر من نفسها وترقى بمطالبها حتى يغيّر الله ما لهم وما عليهم، ويرتقي بهم. لا خير في أمّة تتخلى عن أبسط حقوقها، ولا خير في سلطة دين أو سياسة أو اقتصاد، ترى في الشعوب والجماهير أغناما تُحركها كيفما قضت الضرورة خدمةً لمصالحها وطموحاتها السياسية. القدس العربي كاتب عماني