تظاهر مئات السودانيين أمس، في العاصمة الخرطوم ومدن أخرى، احتجاجاً على الأوضاع الاقتصادية المتردية وللمطالبة بالتغيير. وخرجت التظاهرات استجابة لدعوة أطلقها ناشطون للخروج في احتجاجات عارمة تحت مسمى "جمعة لحس الكوع" (ولحس الكوع تعني باللهجة الدارجة السودانية استحالة فعل الشيء واستمد الناشطون التسمية من إشارة إلى الرد على تحدٍ أطلقه قياديون في حزب المؤتمر الوطني الحاكم عندما قالوا: إن على من يفكر في إسقاط النظام أن يحاول لحس كوعه أولاً، في إشارة إلى استحالة ذلك). وانطلقت التظاهرات الحاشدة في عدة أحياء من أحياء الخرطوم وأم درمان وبحري "العاصمة المثلثة"، إلى جانب مدن الأبيض "غرب" وكسلا "شرق" ومدني "وسط" وكريمة "شمال". وشهدت منطقة ود نوباوي في أمدرمان أقوى التظاهرات، حيث كانت الحشود تقاطرت باكراً قبل صلاة الجمعة إلى مسجد الهجرة، مع وجود كثيف لشرطة مكافحة الشغب منذ الصباح. وأمَّ الصلاة إمام الأنصار الزعيم المعارض الصادق المهدي الذي قال في نهاية الخطبة: "بلادنا في مفرق طريق، وقد تأكد فشل هذا النظام فشلاً تاماً. ونحن الذين تصدينا لمعارضته منذ البداية نخطط الآن لاتفاق على النظام البديل، وعندما نتفق على النظام البديل سوف ننطلق في اعتصامات في كل السوح في السودان وإلى أن يحدث ذلك، علمنا أن بعض الشباب قد تنادى لاعتصام في المسجد هنا، نحن نستضيفهم ومرحب بكل من يريد أن يعبر عن رأي حر لأن هذا الشعب شعب حر، وأؤكد لكم أن أي اعتصام أو تعبيرات سلمية هي محمية بالدستور والقانون والشريعة وفي الوقت نفسه، نناشد كل السلطات أن تراعي ذمة البشر في كل ما تفعل، فأي تعرض بالعنف للبشر يتنافى مع حقوق الشرع وحقوق الإنسان؛ ولذلك ينبغي ألا يتصدى لأي نوع من التعبير السلمي بعنف لأن العنف يولد العنف، وندخل فيما دخلت فيه سوريا وغيرها من البلدان. لذلك نحن نقول إن من يعبر عن رأيه بالوسائل السلمية كافة محمي، وعنده حق للقيام بذلك، فنحن نستضيف الاعتصام، ونعتقد أن كل المساجد، وكل السوح العامة ينبغي أن تستضيف المواطنين، ليعبروا عن مشاعرهم الحقيقية سلمياً. وعندما تكتمل الصورة ونتفق علي البديل بوضوح تام والذي يحقق التحول الديمقراطي الكامل والسلام العادل الشامل، سوف نعبر حركياً عن دعم هذا الموقف إلى أن تتحقق هذه المقاصد إن شاء الله". وقبل الفراغ من الصلاة، هجمت قوات القمع على المصلين بقنابل الغاز والرصاص المطاطي، وأصيب اثنان بالرصاص ونقلا للمستشفى. فيما أصيب آخرون بعلب الغاز وأصيبت شابة في ساقها فيما أصيبت أخرى في فخذها وأصيب آخرون بالاختناق. وكان المتظاهرون يلوحون بعلم السودان إلى جانب أعلام الأنصار وردد المعتصمون نشيد العلم، كما رددوا هتافات مثل: "فكوا دربنا وجعتوا قلبنا"، "الشعب يريد إسقاط النظام"، "مرقنا مرقنا ومافي رجوع نعلم نافع لحس الكوع"، "يا أمدرمان ثوري ثوري"، "عايد عايد يا أكتوبر عايد عايد يا أبريل". وقال شاهد من "رويترز": إن الشرطة حاصرت مسجد الإمام عبدالرحمن في ضاحية أمدرمان بعد صلاة الجمعة، وأطلقت الغاز المسيل للدموع على المحتجين الذين رشقوا قوات الأمن بالحجارة. وقال الشاهد، إن الشرطة ألقت القبض على بضعة أشخاص. وأضاف أن أكثر من 100 شخص تظاهروا أيضاً خارج مسجد في ضاحية بحري بشمال الخرطوم، بينما نظم احتجاج آخر في أحد أحياء الخرطوم بحري، حيث سد أكثر من 150 محتجاً الطريق، مرددين هتافات تطالب بالحرية. وخرجت تظاهرات محدودة في أحياء العباسية، مدينة النيل، وفي بحري "من مسجد السيد علي وحوله"، وفي شمبات، والحاج يوسف والكلاكلات. وخرجت تظاهرات في مدن كسلا وود مدني والأبيض والنهود وبارا وأربجي. وكانت الاحتجاجات في السودان قد انطلقت السبت 16 يونيو من جامعة الخرطوم عندما تظاهر طلبة محتجون على تردي الأحوال المعيشية بعد أنباء عن توجه الحكومة السودانية إلى إجراءات تقشفية تنعكس آثارها مباشرة على الشعب. وبدأت التظاهرات التي تدخل اليوم أسبوعها الثالث بشعارات منددة بسياسات الحكومة التقشفية وغلاء الأسعار، لكنها تبنت فيما بعد شعارات تدعو إلى إسقاط النظام. وكانت تظاهرات الجمعة الماضية قد حملت شعار "الكتاحة"، وتعني الكلمة بالدارجة السودانية "الرياح القوية المصحوبة بالغبار". يذكر أن السودان يواجه حالياً تحديات اقتصادية وأزمات سياسية تبذل الحكومة مساعي كبيرة لتصحيح مسارها، لكنها أكدت أن ذلك ربما يتأخر إلى عام 2014.