تشكل المباني الأثريّة ذات القيمة الحضاريّة والتراثيّة الضخمة "كبش محرقة" للإقتتال في سوريا بين "الجيش السوري الحرّ" وقوات النظام العسكريّة، إذ إنّ الدمار الذي يجتاح المدينة امتد ليطال كنوز تاريخيّة لا تقدّر بثمن في سوريا. ويبدو أنّ ما حصل في العراق من تدمير للرموز الحضاريّة، يأخذ اليوم مثواً جديداً له في ساحات الإشتباكات السوريّة. فالتقارير الواردة إلى صحيفة "ذا إندبندنت" البريطانيّة من قبل مجموعة من علماء الآثار الغربيين المتخصصين بالعصر البرونزي والبناء الرومانيّ، تشير إلى أنّ "حالةً سرطانيّةً" تجتاح المباني التراثيّة في سوريا، حيث طال الدمار القلاع الصليبيّة، والمساجد والكنائس القديمة كما المتاحف التي تكثر فيها الآثار. إنّ شبح الموت بات يرقد في الكثير من المباني ذات الصبغة الحضاريّة في سوريا، ومنها تلك التي ذكرتها التقارير التي نشرتها "ذا اندبندنت": المعبد الآشوري في تل الشيخ حمد، وقلعة المضيق التي تعرضت جدرانها وأبراجها إلى دمار شامل خطف من القلعة كل معالمها، كما المدينة الأثرية "أفاميا" التي نهبت مجموعة من اللصوص فسيفساء رومانيّة تابع لها من خلال إقتلاع الأرضيّة الرومانيّة بواسطة جرّافة لشق الطرق. وتكشف التقارير أنّ القوات النظاميّة المسلحة لم تتوان عن قصف المباني والقلاع الأثرية التي اتخذ منها ضباط في "الجيش السوري الحر" ملجأً لهم لحسم نتائج المعارك. ويُذكر أنّه في دير صيدنايا تآكلت القذائف القسم الأكبر من المبنى الذي يعود تاريخه إلى عام 574 م. كما تعرض المسجد الأموي، أقدم مباني العصر الإسلامي في درعا، إلى قصف حاد الأمر الذي أدّى إلى دماره بالكامل. وفي هذا الإطار، قال المدير العام للآثار في سوريا بسام جاموس، في حديث إلى الصحيفة، إنّ "الإرهابيين" يستهدفون العديد من المباني الآثرية في كل من حلب ودمشق والبصرة، كما قاموا بتخريب قلعة صلاح الدين الصليبيّة. من جهتها، تحذّر عالمة الآثار اللبنانيّة جوان فرشخ، في حديث إلى الصحيفة أيضاً، من أنّ "وضع التراث السوريّ خطر جدّا"، موضحةً أنّ السوق التركية والأردنيّة تزخر بمقتنيات أثريّة سوريّة الأمر الذي يزيد من الخطورة التي تحيط بهذا التراث. في الإطار نفسه، كشف موقع مجموعة "التراث الأثريّ السوري في خطر"، وهي عبارة عن مجموعة من المتخصصين السوريين، عن مذكرة أرسلها رئيس الوزراء السوريّ عادل سفر إلى وزرائه في الحادي عشر من شهر تمّوز الماضي، تحذر من مجموعة من الإرهابيين يملكون أدوات تقنيّة متقدمة ومتمرسون بسرقة الآثار والمخطوطات، الأمر الذي يُعرض التراث السوري برمته لخطر الفناء. واعتبر الموقع أنّ هذه مذكرة سفر مشوبة بالغموض، مرجحاً أنّ سياسة النظام السوري ستكون بسرقة التراث الأثري لسوريا وإعادة بيعه. وانطلاقاً مما تقدم يمكن الاستنتاج أنّ مصادر التهديد التي يتعرض لها التراث الأثري السوريّ متعددة، فمنها ما يعود إلى الإقتتال المسلح بين "الجيش الحرّ" والقوات النظاميّة، والبعض الآخر من قبل مجموعة من اللصوص المحترفين. وتقول فرشخ تعليقاً على هذا الأمر: "لقد محيت آثار المعابد والمساجد والكنائس والبيوت القديمة في حمص وكأنّها لم تكن يوماً". (ذا إنبدبندنت)