بعد قيام الوحدة اليمنية المباركة في 22 مايو 1990م انتقلت للسكن في حي جديد والذي اصبحنا نمتلك فيه منزلنا الخاص بعد طول عناء وكان هذا الانتقال يمثل أيضاً انتقالي من المرحلة الابتدائية إلى المرحلة الاعدادية ، مما اضطرني إلى ايضاً إلى تغيير مدرستي ولم أكن اعلم حينها ان تغيير المدرسة سيمثل نقله فارقة في حياتي تشمل تغييراً كاملاً في الافكار والمبادئ والقناعات الوسطية التي عرفناها وتربينا عليها . كنت حينها في سن المراهقة ما بين ال(16-17) من العمر ولم أكن أعلم معنى سياسة ، حزب ، تنظيم ، حيث كان كل اهتمامي منصباً على أن انجح في مدرستي وصفي. لكني كنت دائماً أسمع المدرسون السودانيين يجادلون المدرسين المصريين وهم في الغالب ذوي لحى كثيفة وينظم إليهم المدرسون اليمنيون في مواجهة المدرسين السودانيين ولولا الإدارة القوية للمدرسة حينها لحدث ما لا تحمد عقباه مرات كثيرة. وكان والدي حريصاً على أن أكون قارئاً جيداً فكان يجلب الصحف والمجلات والكتب لقرأتها ونتيجة للجوء الذي كنت أعيشه فقد حاولت التعرف إلى معنى الأخوان في مدرستي فوجدت معظم المدرسين من الإصلاحيين أي "إخوان اليمن" وغالبيتهم خريجو المعاهد العلمية فتقربت إليهم حيث كنت معجباً بكلامهم وتعاملهم مع الآخرين خاصة مع الطلاب وهو أمر لم نعتاده أن يتعامل المدرس بمثل هذا الأسلوب من التحرر وإزالة الحواجز ما بين المدرس والطالب - ولم نكن نعلم حينها أنهم أنما يدسون السم في العسل – فنشأة علاقة وطيدة بين العديد من الطلاب ومدرسي الإصلاح "إخوان اليمن" داخل المدرسة لتنتقل بعد ذلك إلى دعوة المدرسين لنا للانضمام إليهم في المساجد وحلقات الدرس الخاصة بهم والتي لا تشبه غيرها من حلقات الدرس فهي تبدأ عصراً بتناول الشاي في منزل احد القيادات الإخوانية يتم خلالها مشاهدة فيلم فيديو لمحاضرة يلقيها أحد مشائخ الإخوان في مصر ك"وجدي غنيم" وما أن تنتهي المحاضرة حتى يبدأ توجيه الأسئلة خاصة للمنظمين الجدد حول المستفاد من المحاضرة وما هي الدروس والعبر وما أن تجيب - حتى وأن كانت إجابتك خاطئة – حتى تتلقى المديح والثناء من كل الحاضرين لذكائك المتقد ، وبديهتك ، وذهنك الحاضر مع التذكير بموعد الجلسة القادمة وإحضار من تعرف من أصدقائك ليستفيدوا ، وحضور حلقة الدرس بعد المغرب في المسجد الفلاني دون غيره وبالتأكيد بعد كل المديح الذي تلقيته سوف تحضر الحلقة التي ليست كغيرها لمدارسة كتاب الله وسنة رسوله وإنما للتعريف بمشائخ الإخوان والإشادة بهم وتوزيع أشرطتهم علينا لسماعها في البيت وعلينا إدراك أن هذا واجب ديني وأننا حملة مشاعل النور لنصرة المسلمين في فلسطين والشيشان والبوسنة والهرسك حينها ، وأننا على خطى القسام وخطاب ، وعلينا أن لا ننسى الاجتماع بعد صلاة العشاء للذهب لمنزل أحد الإخوان لمشاهدة أفلام في "الفنون القتالية المختلفة" والتي يحرم المشائخ مشاهدتها من على منابر المساجد في صلاة الجمعة وحرمة مشاهدة الأفلام !؟ ويوم الجمعة هو اليوم الذي ننهي فيه صلاة الفجر لنذهب بعدها لنادي رياضي يتبع الإخوان الذي لا بد أن يكون في بدروم وبعيداً عن العيون لنتدرب على العديد من الأجهزة وحمل الأثقال ، مصحوبة بأناشيد حماسية شديدة الإثارة "قادمون – النصر لنا – نعشي على كتفي" وغيرها التي نخرج بعدها ونحن نستشعر أنفسنا أبطال التحرير والثوار ونحن من نسترد ارض الإسلام وبإمكاننا مقاتلة أي كان دون خوف أو وجل فالجنة نصيبنا ونحن أهلها ولدينك صكوك بذلك وعقود من مشائخنا ومدرسينا أن نحن صرنا على دربهم واستمعنا توجيهاتهم . وكنت حينها أسال نفسي دوماً لما كل هذا؟ ولماذا هذه التعبئة؟ وهذا التجييش واستنفار العواطف وروح القتال لدى أطفال وشباب صغار؟ ولماذا يكون في أماكن مخصصة ومحددة سلفاً؟ ولماذا يجب أن نستمع لعلماء محددون دون غيرهم؟ وكُتاب هم من يجب أن نقرأ لهم دون سواهم؟ ولماذا من هم سوء هؤلاء من العلماء والكُتاب هم طلاب دنيا وباحثو مصلحة أما من نسمعهم أو نقرأ لهم فهم أهل الجنة وطلاب آخرة ؟ ولا تغريهم الدنيا والمال! ولماذا نحن لنا الجنة والآخرون لا؟ أدركت الآن مع الخريف العربي لما كان كل هذا لأن "الأخوان" ينتظرون هذه اللحظة للانقضاض على السلطة باسم الدين والحرية ومواجهة الفساد والقتله ، ليتمكنوا من تصفية من يخالف أفكارهم وتوجهاتهم باسم الدين والأساليب عديدة "التكفير – أهدار الدم – سب الذات الإلهية" عبر فتاوى هم قادرون على صناعتها وإرهابيون جاهزون لتنفيذها ، تخرجوا من جامعاتهم ومدارسهم ومعاهدهم "وما جار الله عمر – وبشر المقطري عنا ببعيد" .