ربما يكون مضيقاً منسياً، فهو لم يسبق أن كان جغرافيا حروب أو نزاعات وصراعات، فبرغم المشاكل الداخلية، إلا أن اليمن كان ضامناً كبيراً لديمومة هذا المضيق دون أي مخاوف، مما جعله مضيقاً منسياً، رغم ما يمثله من أهمية عالمية كبرى تفوق حتى قناة السويس التي تعد شرياناً عالمياً بالغ الأهمية. طفا باب المندب على سطح الأحداث مع التطورات اللافتة التي يشهدها اليمن، خاصة بعد أن وصلت طلائع الحوثيين إلى الحديدة التي تطل على المضيق البحري وفيها ميناء حيوي كبير، وإذا ما أحكم الحوثيون سيطرتهم على هذا المضيق فإنهم سيتحكمون بما يصل إلى نحو 3.5 مليون برميل نفط يمر يومياً عبر هذا المضيق إلى العالم، فضلاً عن حجم التجارة الأخرى التي تنقلها السفن عبر باب المندب. يصف خبراء الجغرافيا السياسية مضيق باب المندب بأنه أهم من قنبلة نووية؛ لما له من تأثير على معظم تجارة العالم، وأهمها تجارة النفط، عصب الصناعة في العالم، والذي تأتي نسبة كبيرة منه من دول الخليج عبر بوابة المضيق الأكثر أهمية وخطراً في العالم. ويقع المضيق في المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، وتحده اليمن من الجهة الشرقية (الآسيوية)، وكل من جيبوتي وإثيوبيا وإرتريا من الجهة الغربية (الأفريقية)، ويربط بين المحيط الهندي وخليج عدن من ناحية والبحر الأحمر وقناة السويس من ناحية أخرى. وكون المضيق بين خليج عدن والبحر الأحمر وقناة السويس، في شكل يشبه عنق الزجاجة، جعله الممر المائي الأساسي بين الخليج العربي وخليج عمان (أقصى شمال المحيط الهندي) من ناحية، والبحر المتوسط، حيث دول أوروبا، من ناحية أخرى، كما أنه بوابة نفط دول الخليج إلى الغرب. كما أن المضيق، وقناة السويس من ورائه، يختصران طريق التجارة بين الغرب والشرق، ويمر بهما الجانب الأكبر من التجارة بين أوروبا وآسيا (قادمة من المحيط الهندي وتقصد البحر المتوسط شمالاً)، حسب ما ذكرته مجلة فورين بولسي الأمريكية في تقرير لها في وقت سابق. ويمر بمضيق باب المندب نحو 21 ألف سفينة سنوياً، وتقدر كمية النفط العابرة في المضيق ب 3.5 مليون برميل يومياً. ووفق معطيات الجغرافيا، تتمتع اليمن بأفضلية استراتيجية للسيطرة على المضيق لامتلاكها جزيرة بريم (في مدخل المضيق وتتبع محافظة تعزجنوب غربي البلاد). وصول جماعة الحوثي إلى الحديدة، واقترابهم من المضيق الحيوي، سيمنح حليفهم الإيراني ورقة ضغط هامة على المجتمع الدولي، وخاصة في ملف مفاوضاته حول النووي، وأيضاً أماكن نفوذه في كل من العراق وسوريا ولبنان، خاصة أن إيران تطل على بوابة مائية أخرى غاية في الأهمية؛ وهي مضيق هرمز الذي تتشارك فيه مع دول الخليج العربي. وكان الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، مدركاً لمعطيات الجغرافيا السياسية، حين قال في تصريحات نشرت مؤخراً: "من يمتلك مفاتيح باب المندب وهرمز (يفصل بين الخليج العربي وخليج عمان)، لا يحتاج قنبلة نووية". سيطرة الحوثيين على مضيق باب المندب، يبدو أنها حاضرة بقوة في أجندات الجماعة، على الرغم من نفي زعماء الجماعة، فقد أعلن حسن الصعدي، الناطق باسم الجماعة، أمس الأربعاء، أن ما جرى في الحديدة كان بطلب من وزير الداخلية للِّجان الشعبية من أجل أن تتدخل لحماية المنشآت الحيوية في المدينة، وهو ما نفاه العديد من المسؤولين اليمنيين، الذين أكدوا أن جماعة الحوثي سيطرت على المحافظة ومينائها ومعسكر المدينة. الأيام المقبلة ستشهد على ما يبدو صراعاً من نوع جديد، خاصة أن الحوثيين يواصلون التمدد في أجزاء اليمن الأخرى عقب السيطرة على العاصمة صنعاء، دون أن تتحرك الآلة العسكرية اليمنية لوقف تمددهم، الأمر الذي يفتح الباب واسعاً لدخول تنظيم القاعدة على خط الصراع مع الحوثي، مستغلاً غياب الدولة ومؤسساتها العسكرية.