جاء تعيينه، بعد تسعة أشهر من انتهاء فترة عمل سلفه السفير الحمدان، لكن اللافت أكثر أن قرار تعيين محمد سعيد آل الجابر سفيراً للمملكة السعودية لدى اليمن، صدر مباشرة بعد ثلاثة أيام من قرار السلطات السعودية إخلاء سفارتها في صنعاء وإجلاء الرعايا والطاقم وتبعتها بقية العواصم الخليجية، في سبتمبر 2014. آل الجابر، شغل قبل هذا موقع الملحق العسكري السعودي في سفارة الرياض لدى صنعاء خلال السنوات الأربع الأخيرة، وهي أسوأ ما مر باليمن من سنوات، وما شهدته البلاد من أزمات. واقترنت فترته باندلاع أعمال الفوضى وتصاعد الصراع في اليمن 2011 وما بعدها. وإلى الخلفيات السالفة، فإن ما بين توقيت صدور وإعلان قرار تعيينه سفيراً، مباشرة بعد إغلاق وإخلاء سفارة الرياض في العاصمة صنعاء (سبتمبر 2014)، وتسليم أوراقه لعبدربه منصور، وبين تصاعد وتيرة الأحداث والتداعيات المؤسفة تباعاً، وصولاً إلى قرار الرياض تثبيت وتكريس الانشقاق في الحالة اليمنية - بعد أشهر قليلة من تعيين آل جابر- باعتماد قرار نقل السفارة إلى عدن بدلاً من صنعاء والوقوف وراء القرارات والسياسات والتوجهات التي سرع الرئيس المستقيل من اتخاذها وتبنيها حد اعتماد عاصمة بديلة، ووصول آل الجابر إلى عدن (فبراير 2015) كأول سفير لبلد يحاول منح شرعية للصراع وللوضع الجديد وتكشف بجلاء عن التبني العملي لخارطة تقسيم وإعادة رسم الخارطة الجيوسياسية للجمهورية اليمنية، بما أعاد إلى الأذهان صورة إرشيفية لما حدث في أواخر القرن العشرين وفتنة (1994) وإلقاء الرياض بثقلها وراء المشروع المشابه لإعادة الأمور يمنياً إلى ما كانت عليه قبل 22 مايو 1990، وانطلاقاً من عدن. وكانت الحرب المؤسفة والدماء والخسائر اليمنية الباهظة، جزءاً من الثمن الذي دفعه اليمنيون واليمن على صلة بتوجهات ونوايا وسياسات السلطات الحاكمة في الرياض. والشاهد أن الخسائر اليمنية تواصلت مذاك وخلال السنوات التالية مع اعتماد الرياض سياسة أكل الوحدة من الداخل وتغذية الصراعات المتصلة بالملف الجنوبي وتعميق الأزمات بتحويل الموضوع إلى مادة لاشتغال ينخر اليمن ويخلخل النسيج الوطني. وما بين وصوله إلى عدن في فبراير 2015، ومغادرته إياها على متن سفينة حربية سعودية خلال أقل من شهرين (مارس 2015) كانت لقاءات وتحركات آل الجابر باتجاه هادي، ومتواليات رحلات التسليح وضخ الأموال واستقطاب التحشيدات والولاءات القبلية والمسلحين من محافظات ومدن عدة وجنوبية بالخصوص، أبرز علامات ومعالم تلك الفترة القصيرة التي حولت خلالها برامج السعودية وسفيرها عدن إلى قنبلة موقوتة، وجلبت إليها المجاميع المسلحة من كل صنف، خصوصاً المتشددين والقاعدة، علاوة على القبليين واستقطاب ولاءات بالمال الغزير. وفي عدن، وخلال تلك الأجواء، كان لافتاً صدور أول بيان يتحدث رسمياً باسم داعش أو تنظيم الدولة الإسلامية "ولاية اليمن"، تزامناً مع.. وإثر أحداث ووقائع مدوية لذبح ونحر جنود ومواطنين (..) كان آل الجابر يسرع الخطوات استباقاً لما قد يطرأ... وطرأ بالفعل، ثم حمل نفسه وطواقم إعلامية لقنوات فضائية في فلك الرياض (سكاي نيوز وغيرها) والبعثة القطرية وآخرين ولحق بالسفن المنتظرة في الميناء، ورحل مخلفاً وراءه نيران أسابيعه القليلة في عدن وقد تحولت إلى حرائق كبيرة. عقب أيام، فقط، بث آل الجابر وصحفيون مرتبطون به صوراً لسفير الرياض يتحرك في عدن وهو يحمل السلاح، وأخرى وهو على متن طائرة مروحية، وثالثة وهو في قمرة قيادة سفينة حربية (..) وما هي إلا أيام حتى كان الدبلوماسي السعودي "المجوقل" يسهب في شرح ساعات قيادته البطولية الحرجة لعملية الهروب من عدن (..) متحدثاً لجريدة الشرق الأوسط السعودية وعنها نقلت القنوات والصحف والمواقع، حول البسالة النادرة في مغادرة مدينة عدن التي قالت الجريدة إنه تولى "قيادتها"بنفسه (..) لتباشر سلطات الرياض حربها العدوانية على اليمن في الإثر. تحركات تنقلات محمد سعيد آل جابر، كانت وتستمر، في مجال تأجيج وتغذية الانقسامات وتعميق الشروخ والصدوع وإثارة واستثارة النقمة بين الفئات والكيانات والقوى اليمنية على اختلاف مسمياتها ومستوياتها. وهو يجيد التصنُّع والتكيُّف مع محدثيه، فهو عسكري مع العسكريين، وأمني مع الأمنيين، واقتصادي مع أهل الاقتصاد، وقبيلي - حتى- مع القبائل، على أنه، أيضاً، يتلبس بالزيدية مع الزيديين، وبالشافعية مع الشوافع، وبالتصوف مع الصوفية... وله من الوجوه ما لا يتوافر لسواه، طالما بهذا يضمن أداءً أمثل لما يهمه ويهتم به من إثارة وإفتان وتخريب بين أحجار المدماك اليمني ونفسها. وبغض النظر عن سلوكه وصفاته الخاصة والشخصية، فإن الجانب الموضوعي والعام وما يتعلق منها باليمن خصوصاً، وما حدث وأُحدث ويحدث تباعاً، هو ما يهم على صلة بالدماء والأرواح اليمنية التي سُفكت وسُفحت ظلما وبغياً، والدمار الذي لحق ويلحق باليمن، وفي الخلفية السببية المباشرة والمسئولية الثابتة يجيئ اسم محمد سعيد آل جابر في صدارة قائمة المسئولين عن كل هذه الدماء والمآسي والمعاناة الباهظة يمنياً. لعله يجيئ اليوم الذي يتحاكم فيه الناس، وتنظر المحاكم الدولية في ملفات المتهمين ومجرمي حرب الإبادة والمحرقة السعودية بحق اليمن واليمنيين، وسيكون.. ويجب أن يكون في مقدمة هؤلاء رجل اسمه محمد سعيد آل جابر.