قبل رمضان بأسابيع دخلتُ إحدى البقالات احمد غراب لشراء تمر، فأحضر لي صاحب البقالة قرطاس تمر مكتوبا عليه "هدية من حكومة خادم الحرمين الشريفين للشعب اليمني". ومع أن الهدية لا تهدى ولا تباع؛ سألته: بكم؟ قال: "بسبعمائة وخمسين"، ثم أضاف: "شوف المسؤولين حقكم! يبيعوا كل شي، حتى الهدية!".
واليوم، صادفت مواطنا فوق الباص قال إنه اشترى بطانية "درجة أولى" بخمسة آلاف ريال، وسعرها في المعرض خمسة عشر ألف ريال. اندهشت وسألته: من اين اشتريتها؟ قال: "هي تهريب، من البطانيات المخصصة للنازحين".
الموضوع ذكرني بموقف حدث زمان، أيام كان الطلبة يؤدون الخدمة الإلزامية وكانوا يقفون في طابور طويل أملا في أن تسلم كرتون فول. في ذلك الوقت همس أحد التجار في أذني ساخرا: "مساكين هؤلاء الطلبة، يطوبروا على الفول، مش عارفين ان قد اشتريتهن بالجملة وحملتهن من الباب الخلفي".
قُصْر الكلام: ما بش ضمير ولا حياء لا من الله ولا من خلقه. وكما يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إذا لم تستح فاصنع ما شئت".
قلة الضمير طالت كل شيء في هذه البلاد، ووصلت إلى الدرجة التي تجد فيها من يناديك: "تشتي شاهد (شاهد زور)؟ بأربعمائة ريال بس"!
وقلة الضمير ينتج عنها الظلم، وهو في يوم القيامة ظلمات. تجد من النافذين من يتدخل بالواسطة في أقسام شرطة، فيتسبب بتغيير المحاضر وتزييف الحقائق، ويترتب على ذلك ظلم أناس أبرياء. وتجدهم يتدخلون في كل مكان، آخذين الحق من أصحابه إلى من لا يستحق.
إن غياب الضمير والوازع الديني والإنساني والأخلاقي، وطغيان الجاه والنفوذ القبلي، وسوء استغلال المسؤوليات... أسباب رئيسية للاختلال الذي يشهده مجتمعنا. ودعوة بسيطة من مظلوم كادح قد تتسبب بكارثة كبرى للبلد بأكمله؛ قال تعالى: {وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً...}.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله يقيم دولة العدل وإن كانت كافرة، ويحيط بدولة الظلم وإن كانت مسلمة".
زد على ذلك أن قلة الضمير تتحول إلى مرض شائع يطال كل شيء في المجتمع، فيجعل الحق مستباحا، والظلم مبررا بالقدرة والنفوذ... فكيف لا يتورع القادر على الظلم عن فعله وهو يؤمن (ربما!) أن الله قدير فوق كل قدير؟ {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ...؟}.