خلال سنوات من النظر والتأمل أدرك د.عمر عبد العزيز الدكتور الباحث عبدالله الزّلب أن نبتة القات لم تعد لها صلة بثقافة القات الفولكلورية التي تعارف عليها الآباء والأجداد.. تلك الثقافة التي كانت رديفة النخب الدينية والسياسية والفكرية، وكانت تتّسم بقدر كبير من الدقة والمرونة، وبالحرص على المعاني الجوهرية التي تخرج من تضاعيف لقاءات النخب التي تناولت القات بوصفها نبتة تجمع الناس على التدارس والتفاكر، ولا أهمية لها خارج هذا الإطار، وليست ذات صلة بمتاهة التعاطي العدمي اليومي الذي تحول تباعاً إلى نمط حياة، حتى أصبح الإيقاع العام للعمل والمتعة والاجتماع ممسوكاً بالقات كما لو إنه «مفتاح صول الموسيقي» الذي يُدوْزن الحياة اليومية، ابتداءً من أوقات العمل، مروراً بتفاصيل الزمن، وحتى تطيرات ما بعد التعاطي . استطراداً على هذه الحقائق تحول القات إلى آفة مؤكدة، ومحنة متواترة، تحاصر حياة اليمانيين براً وبحراً وجواً، والشاهد أن اليمنيين المتعاطين للقات لم يعودوا رُهناء مكان وزمان محددين، ولا جيل بذاته، بل أصبح القات مقصدهم في حلهم وترحالهم صوب البلدان التي تسمح ببيع وتداول هذا النبات السحري، وعلى المستوى اليومي لم تعد ثقافة التناول العدمي للقات، مروراً باللّمعة المتوجّدة التي يستوهمها الواهمون مزاج الموقف العام تجاه القات، بل إن مجلس القات المنزلي أصبح الركن الأثير والمكان المنير الذي يعج بالطنافس والجماليات الفولكلورية ليستكمل مشهد الاستهلاك الترفي الذي ينازع الأطفال براءتهم، والنساء خصوصيتهن، والمنازل زواياها الأجمل، فإذا بالقات نبتة ناظمة لحياة البشر، راكزة في معطيات أيامهم وتفاصيلها، وناشرة لظلال مؤكدة ذات صلة بالسياسي والثقافي والمجتمعي، مما يمكن استسبار آثاره في النسخة الثانية والمعدلة من الكتاب الماثل بين أيدينا بعنوان «ثقافة القات في اليمن - مقاربة سوسيولوجية».