التواشج بين العالم العربي وأفريقيا ليس موصولاً بالمكان الجغرافي الواحد فحسب، بل أيضاً التاريخ المشترك والثقافة التي تمازجت حد التماهي، مما سنقف على أبعادها تباعاً . تواجد العرب في أفريقيا منذ ما قبل الفتوحات الإسلامية، وجاءت الفتوحات تالياً لتشكل نهراً كبيراً متعدد الأفرع، ولتجترح تقاليد غير مسبوقة في تاريخ العالم المعروف آنئذ، فالعرب الذين تحركوا من الجزيرة العربية وتخوم الشام باتجاه مصر، ثم واصلوا الدرب في شمال القارة حتى المغرب، كانت لهم آثار متعددة الأبعاد على الثقافات المحلية في تلك البلدان حتى إنني أزعم أن العربية التاريخية التي تكرّست في تلك المناطق وأصبحت عنواناً شاملاً للهوية الأساسية لسكانها كانت تجمع بين الوشائج العرقية واللغوية والرؤياوية، بل إن شمال أفريقيا العربية أسهمت بقسط وافر في تعميم الثقافة العربية الإسلامية، وكانت راكزة في أساس وتضاعيف المعطيات الثقافية الاسلامية في علوم الكلام والرأي، وفي المنطق والفلسفة وعلوم الآلة، وغيرها من المعارف، وكانت الطرق الصوفية في امتدادات شمال الصحراء الكبرى وحتى عمقها دالة كبرى في هذا الباب . الشاهد في أمر الثقافة العربية الأفريكانية المجيرة على المكان إنها كانت ثقافة تواصل وتفاصل .. قائمة في معنى التماهي الإيجابي .. راكزة في مضمون الرؤية الإسلامية للوجود والكون والمجتمع. وفي أفق متصل تواصلت هذه الثقافة لكي تتلاحم مع الأفريكانية التاريخية الممتدة من وسط القارة لما بعد الصحراء وحتى شرقها، لتشمل مساحات جغرافية وبشرية هامة نلخصها حصراً في: مالي والسنغال ومناطق الطوارق في الصحراء الكبرى، وفي أفق الاتصال بالأمازيغية اللغوية والحضارية، وفي نيجيريا والكونغو، وفي شرق أفريقيا أيضاً، حيث كان الحضور العربي متوازياً في جيبوتي والصومال العربيتين الأفريقيتين، وفي السودان الحامل لذات الأنساق الثقافية اللغوية المتعددة، وفي إريتريا وجيبوتي اللتين لا تختلفان عن الصومال والسودان من هذه الزاوية، وفي كينيا وتنزانيا الموصولتان باللغة العربية من خلال السواحلية المشمولة بأكثر من 50 في المائة من المفردات العربية، ولا ننسى في هذا الباب امتداد الامبراطورية السلطانية العمانية التاريخية على عهد السيد برغش، كما لا ننسى أيضاً وشائج الصلة بالعروبة في أقاليم السودان والصومال وإثيوبيا واريتريا، مما نجد شفراتها في الثقافات المحلية لتلك البلدان.