إنه أحد الجنود الذين شاركوا في ملحمة السبعين دفاعا عن الثورة والجمهورية، رأيته يمشي على عكازين في ساحة مجلس النواب، أبيض البشرة والشعر، وفي وجهه ندوب وتجاعيد وأثقال السنين. كان يصارع للبقاء واقفا، ويداه حائرة بين إمساك الأوراق (الأوليات) أو العكاز... ولم يشأ أن يترك أحدهما فالعكاز والورق يعنيان له الكثير.. بل هما كلما تبقى لديه..! اتجهت نحوه وتذكرت أوبريت غنائي على التلفاز مطلع التسعينات كان تقول إحدى عباراته "لولاهم ما قامت ثورة"، وتساءلت في نفسي عما الذي دفع هذا المناضل- أو ما تبقى منه- لهذا العناء وتجشم القدوم للبرلمان؟! أهو مدعو لجلسة تكريم له ومن بقي من زملائه الأبطال.. أم هي استجابة للفتة كريمة تجاهه لدخول البرلمان ليطلع على ما يدور فيه، وما تقوم به هذه المؤسسة التي تعد ثمرة من ثمار الثورة.. فيدرك من خلالها أن تضحياته وبسالته أثمرت الكثير وأن عناءه لم يذهب سدى أو أدراج الرياح..وأفرطت في التفاؤل كمن (يسد وعقله) وقلت لنفسي.. ولم لا؟ فنحن أمة وفية لا تعرف النكران.! وأفقت مما أنا فيه حينما قدم لي الأوراق وهو يقول بصوت حزين مكلوم " إفعل خير فيني يا ولدي.. أنا جندي أُصبتُ عندما كنت أقاوم برصاصة في رأسي وأسرت في جبل براش - جنوب العاصمة- أيام حصار السبعين، ففقدت الذاكرة لمدة (37) عاما، وإلى اليوم ما أدوش معاشي أو قرروا لي شيء"!!. وتشير الأوراق التي بحوزة المناضل قائد محمد قائد من بني العوام محافظة حجة أنه التحق بالقوات المسلحة في المدفعية بقيادة عباس العماد، وتخرج على مدفع عيار (76) ميداني وأنه صدرت له الأوامر بالطلوع إلى جبل براش، وقد تعرض أثناء ذلك لإصابة برصاصة في رأسه، وتم أسره من قبل القوات الملكية بقيادة قاسم منصر والاستيلاء على ما لديه من أوراق ثبوتية كما أنه فقد الذاكرة ولم يبق معه إلا تصريح القائد المؤرخ 8/11/1967م. وحينما عادت له ذاكرته بعد ما يقارب الأربعة عقود إلتقى بقائده العماد وبزملائه الذين تعرفوا عليه وأحيل لتسوية أوضاعه، لكن لم يتحقق شيء حتى اللحظة, وتشير صورة لبطاقة الشؤون الاجتماعية أن المذكور معاق بشلل الأطراف السفلية.. وهناك مذكرة من قبل نائب رئيس مجلس النواب موجهة للعميد ركن محمد يحيى الحاوري رئيس هيئة رعاية أسر الشهداء لمعاملته كبقية زملائه المناضلين.. وهناك أمل في أن يلقى لديه هذا المناضل وأسرته كل اهتمام ورعاية.