قصة تجمع بين الغرابة وبين التمكين في الأرض, فبعد أن شددت السلطات الإثيوبية في مدينة أكسوم تدابيرها على (أرض النجاشي وعرين مملكته) تلك الأرض التي استقبل بها الأحباش وفد المسلمين في الهجرة الأولى, أخبرنا المصلون الأحباش في واشنطن بأن كتاب تصريحِ لإقامة مسجد للمسلمين الأحباش في مدينة أكسوم غير مسموح به ولا يصرح لهم بذلك, إلا إذا سُمح للمسيحيين بإقامة كنيسة في مكةالمكرمة. وكانت مدينة "أكسوم" مقر النجاشي، أصحامة بن أبجر، الذي أكرم وفادة المسلمين في أول بعثة رسول الله محمد (صلى الله عليه وسلم) وكان منهم ابنته رقية وزوجها عثمان بن عفان رضي الله عنهما. أول مركز للأحباش المسلمين في واشنطن وبحسب سيرة ابن هشام فقد رفض الحاكم الإثيوبي تسليم المسلمين الذين وصلوا إلى أكسوم لوفد من قريش جاء ليلاحقهم. وقد أقام المسلمون في مدينة (نگاش) القريبة من أكسوم حتى عام 6 ه عندما غادرها معظمهم. ولدى وفاة النجاشي في عهد الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم)، أوصى الرسول الكريم المسلمين خيرا بنصارى الحبشة إكراما للنجاشي الذي صلى عليه خاتم الأنبياء والمرسلين صلاة الغائب. هذا هو المد التاريخي لمدينة أكسوم الحبشية. لكن القصة لم تعد في رحال الرواة بل في حل من يقطن الولاياتالمتحدة الآن, ففي زيارة خاصة ل"العربية. نت" في مسجد الهجرة الأولى للمسلمين الأحباش في العاصمة الأمريكيةواشنطن, قال الشيخ نجيب محمد (57 عاما) رئيس الجالية الحبشية في واشنطن " يقدر عدد المسلمين بجوار المسجد بعشرين ألف مسلم , لقد اشترينا هذا المسجد بعد أن كنا ندفع لمالكه الإيجار بصورة شهرية فجمعنا مبلغا من المال واشترينا المسجد وهو الآن بيت عبادة يرفع فيه ذكر الله". الأحياش وقت الفطور وتابع الشيخ نجيب" قد لا يعلم الجميع أن السلطات الإثيوبية منعت إقامة مسجد في مدينة أكسوم الأرض التي نفخر بها لأننا أول قوم ناصرنا وآزرنا المسلمين, فلا مسجد في المدينة منذ عهد بعيد ولا مقبرة لدفن موتى المسلمين فعندما يتوفى أحد منا, يسير المسلمون به مسافة تقدر بخمسة عشر كيلومترا لدفنه خارج المدينة، لما تراه السلطات الإثيوبية من أنه ليس من حقنا في إقامة دار عبادة في هذه المدينة أو إكرام موتانا بالدفن هناك". وأشار الشيخ نجيب "المسجد يقع على مقربة ميلين من البيت الأبيض, إذ كنا نعتزم إقامته في إثيوبيا لكن الله منَّ علينا وأقمناه في هذه الأرض فاغلبنا مواطنون أمريكيون ولدينا مسجد وحرية في العبادة والمعتقد وسط جالية إثيوبية تقيم علاقات حسنة مع الشعب الأمريكي الذي لم يضيق علينا الخناق كما يضيق على أهلنا في مدينة أكسوم مسجد الأحباش وفي نقاش مع مؤذن المسجد مفتاح سعيد (37 عاما) الرجل الذي فاضت عيناه وهو يتحدث عن حال المسلمين في أكسوم حيث قال " نحن ليس لدينا أي مشكلة هنا نحن نعبد الله بطمأنينة, لكن عندما أتذكر إخواني وأهلي في أكسوم أولئك الذين لا يقدرون أن يصلوا بمسجد أو يدفنوا موتاهم في مقبرة أشعر بضيق شديد, لماذا يمنع حق المسلمين في إثيوبيا ويمنح في العاصمة الأولى في العالم في واشنطن!!, فعلا مفارقة كبيرة". وفي لقاء قصير مع بلال الحبشي الصبي الإثيوبي الذي يبلغ من العمر 13 سنة وقد حفظ القرآن الكريم عن ظهر قلب في ولاية فرجينا الأمريكية في المركز الإسلامي في غضون عام واحد فيقول "حفظت أحكام التلاوة والتجويد والقرآن جزءاً بعد جزء وحزبا حزب, وأكملت حفظ كتاب الله بالكامل بغضون عام واحد ,ربما قد لا أكون قادرا على ذلك وأنا في مدينة أكسوم كما يخبرني الآخرون عن حال المسلمين هناك". المسجد يقع في منطقة حيوية في مكان رائع للغاية ويشتمل على طابقين العلوي مخصص للنساء أما الرجال فهم يصلون ويدرسون القرآن في الطابق الأسفل. وفي شهر رمضان المبارك يقوم المسلمون الأحباش بإقامة مآدب إفطار ودروسا ودورات لتعليم القرآن الكريم حيث حضرت "العربية. نت" أجواء احتفائهم بهذا الشهر وسجلت هذا التقرير. لكن الغريب في الأمر أن الأحباش المسلمين يجيدون التحدث باللغة العربية الفصحى بشكل مثير للانتباه ويتلون القرآن الكريم ويؤذنون بطريقة لا تختلف عن البلدان العربية الإسلامية وذلك لغياب اللكنة الإثيوبية و لتمسكهم بتعاليم الدين وتدبر القرآن والحفظ. ومن الجدير بالذكر أن مسجد الهجرة الأولى في واشنطن لديه امتداد اجتماعي ومؤسساتي مع مؤسسة بدر الإسلامية ولديه موقع للحوار على شبكة البالتوك الاجتماعية بين الأديان والحضارات الأخرى.