أخاف أن يكون الحوثي، قائد الشرطة العسكرية على سبيل المثال دون أن يعلم أحد، والمعنى أن هناك من يزعم أنه يؤدّب اللواء 310 في عمران كونه متمرداً..!!. هكذا يقولون بسهولة استخفافية عجيبة «إن اللواء 310 متمرد» بينما لم تقل الجهات العليا ذلك على الإطلاق، إن هذه المسألة اسمها «تحريض ضد الجيش» يريدون عمران كما يشاؤون ويطرحون الشروط أيضاً؛ بينما ينسون أن صعدة في وضع ملتبس استئثاري من قبل الحوثي نفسه. ثم إن صيغة الحوثي المسلّحة تستغفل الجميع إلى حد صفيق؛ ذلك أن انتشار ميليشياته ودأبها على التصادم مع الجميع أوضح من شمس، أما الذين يدافعون عن صيغته تلك فهم أعداؤه للأسف؛ أعني من لا يريدون جماعة الحوثي كمشروع سياسي وإنما كمشروع استقواءات واستغلالات سيئة للدين، فضلاً عن محاولات طائفية بائسة لتمزيق أوصال المجتمع عبر تغذية واستعادات جملة من أوهام وأمراض. تعالوا من أجل دولة تصون الجميع، تعالوا نُجبر كل معيق للدولة على احترامها، كلنا نقول إن المشترك لم يعد مجدياً الآن خصوصاً بعد أن صار تحالفاً هشّاً وشكلياً؛ لكن المشكلة الأكبر فيمن يؤيّد حروب الحوثي. ومع أنها إرهابية أيضاً؛ ثمة من يصفها «معارك ضد الإرهاب..!!» في الحقيقة تكالبت مراكز النفوذ ضد حلم الدولة طويلاً والمشروع الوطني الذي تمّت إعاقته بشكل ممنهج. والمفاجأة أن هناك من يسعى أيضاً إلى استغلال ضعف الدولة الوطنية لمفاقمة أزماتها بمشاريع صغيرة تتعامل مع اليمنيين وفقاً لنزواتها لا وفقاً للصالح العام. ثم هل مشروع "الصرخة والمسيرة القرآنية" للحوثي هو البديل الموضوعي المنتظر، أم أنه المشروع الذي سيعيد هذا البلد التعيس إلى مربعاته الأولى حيث لا فكاك من العنف والاستئثار والهمجية والتخلُّف..؟!. لا أظن أن تلك التوسُّعات الهوجاء التي تمسُّ صميم الدولة الوطنية ستقود إلى إنقاذ البلاد من انهياراتها، والحاصل هو أن علينا أن نقف مع المشروع الموضوعي ضد الفساد والإرهاب الطاغيين. لنقف ضد اليمين، وضد اليمين المتطرّف وجموحاته المجنونة؛ لنكن مع الجيش ضد معطّليه من ناحية وضد الإرهاب القاعدي والحوثي من ناحية ثانية، تحديداً مع إنفاذ القانون وضد استبقاء حالة انفلات السلاح على هذا النحو المهين لأحلامنا جميعاً وللسلم الاجتماعي والمستقبل السّوي العادل. يزيد الطين بلّة أن ما يحدث من تأجيجات ذات أجندات إقليمية لا أحقر منها، وأزعم أن أحلامنا تتكثف في المدنية والمواطنة بينما تصير المكابدة أكثر تعقيداً حين الفاشية القبلية تكون هي الحامل الموضوعي لسلطتي الفاشيتين الدينية والعسكرية والعكس أيضاً؛ تماماً كما في اليمن..!!. في حين يضحكني من يفاضل بين تطرُّف الجانبين، والشاهد أن تبرير تلك الجائحة بأي شكل من الأشكال هو ما يشوّه الذات الوطنية أكثر كما يصيب ذمم الضمير الوطني بخلاصة الفساد. إن ما يعنيني بالذات هو تفعيل العقد الاجتماعي المحترم بين أبناء الوطن الواحد كبوابة أكيدة لتعزيز حرية وحقوق اختيارهم كمواطنين في مسألة الاعتقاد. يعنيني أن يكونوا سلميين؛ فلا يجبروا المختلفين عنهم بالقوة أو بالإكراه لاتباعهم؛ الأمر مهم في هذا السياق حتى لا تكون "المفرمة الطائفية" هي المستقبل؛ على أن كل فكرة مهما بلغت من التدليس أو المغالطة في ادعاء حقيقة الوعي الديني سيبقى الزمن كفيلاً بغربلتها وكشف جوهرها. استطراداً أستغرب من ترهيب الانتقادات والاستنكارات لأي انحرافات تحدث من قبل الأحزاب والحكومة، كما أستعجب من الذين يبرّرون إجرام «القاعدة» أو عنف الحوثي كونه في نظرهم يستكمل أهداف الثورة، على حد تعبير أحد مناصريه. في الحقيقة أرى أن الوعي الميليشياوي المتطرّف هو أساس الحوثي للأسف مهما بلغ حجم سُمك قشرته المدنية والسياسية التي يزعمها؛ كل أزلام مختلف القوى بلا استثناء في اليمن يستشرسون من أجل امتيازاتهم الفوضوية والعبثية فقط..!!. في المقابل يبقى علينا أن نصون غايتنا التي لا مناص منها في أن نعيش كيمنيين، وأن نحترم الجمهورية والديمقراطية في البُعد السياسي والواضح. باختصار.. إن المشاريع اللا وطنية هي التي تسيطر على المشهد وتجاذباته الرئيسة، كما أن مراكز القوى التاريخية والميليشيات المسلّحة تخرق كل أمل بيمن جدير بالحياة والتطوّر. النتيجة الحتمية هي أن النضال من أجل الدولة المدنية والمواطنة والقانون سيتقهقر أكثر لصالح مهيمنات الاستبداد والتخلُّف والهمجية في حال استمرار ممارسة الجميع التبريرات والتواطؤات والخداعات والمساومات والتسويات، تلك الحماقات والاستكبارات التي تعمل ضد حلمنا الجمعي المفترض متضمنة أحاسيس الانتقام وتصديع اليمن أكثر فيما تقاوم كل إحساس وطني لائق غايته عدم استمرار كل هذا التدهور.