عاجل: العثور على الرئيس الإيراني وطاقمه بعد سقوط مروحيتهم والكشف عن مصيره ووكالة فارس تدعو "للدعاء له"    إعلامية الإصلاح تدعو للتفاعل مع حملة للمطالبة بإطلاق المناضل قحطان وجعلها أولوية    رئيس الهيئة العليا للإصلاح يعزي الهجري في وفاة والده    مدرب مفاجئ يعود إلى طاولة برشلونة    ريبون حريضة يوقع بالمتصدر ويحقق فوز معنوي في كاس حضرموت    تقرير: نزوح قرابة 7 آلاف شخص منذ مطلع العام الجاري    وكيل قطاع الرياضة يشهد مهرجان عدن الأول للغوص الحر بعدن    اليونسكو تزور مدينة تريم ومؤسسة الرناد تستضيفهم في جولة تاريخية وثقافية مثمرة    مصرع عدد من الحوثيين بنيران مسلحي القبائل خلال حملة أمنية في الجوف    من هو اليمني؟    خسائر في صفوف قوات العمالقة عقب هجوم حوثي مباغت في مارب.. واندلاع اشتباكات شرسة    الكشف عن حجم المبالغ التي نهبها الحوثيين من ارصدة مسئولين وتجار مناهضين للانقلاب    صحيفة إماراتية تكشف عن "مؤامرة خبيثة" لضرب قبائل طوق صنعاء    نهائي دوري ابطال افريقيا .. التعادل يحسم لقاء الذهاب بين الاهلي المصري والترجي التونسي    هاري كاين يحقق الحذاء الذهبي    نافاس .. إشبيلية يرفض تجديد عقدي    دعاء يريح الأعصاب.. ردده يطمئن بالك ويُشرح صدرك    بعضها تزرع في اليمن...الكشف عن 5 أعشاب تنشط الدورة الدموية وتمنع تجلط الدم    الكشف عن أكثر من 200 مليون دولار يجنيها "الانتقالي الجنوبي" سنويًا من مثلث الجبايات بطرق "غير قانونية"    توقف الصرافات الآلية بصنعاء يُضاعف معاناة المواطنين في ظل ارتفاع الأسعار وشح السلع    فرع الهجرة والجوازات بالحديدة يعلن عن طباعة الدفعة الجديدة من الجوازات    جريمة لا تُغتفر: أب يزهق روح ابنه في إب بوحشية مستخدما الفأس!    تقرير برلماني يكشف تنصل وزارة المالية بصنعاء عن توفير الاعتمادات المالية لطباعة الكتاب المدرسي    دعوات تحريضية للاصطياد في الماء العكر .. تحذيرات للشرعية من تداعيات تفاقم الأوضاع بعدن !    "لا ميراث تحت حكم الحوثيين": قصة ناشطة تُجسد معاناة اليمنيين تحت سيطرة المليشيا.    لحوثي يجبر أبناء الحديدة على القتال في حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل    وزارة الحج والعمرة السعودية تطلق حملة دولية لتوعية الحجاج    الاستاذة جوهرة حمود تعزي رئيس اللجنة المركزية برحيل شقيقة    حملة رقابية على المطاعم بمدينة مأرب تضبط 156 مخالفة غذائية وصحية    اسعار الفضة تصل الى أعلى مستوياتها منذ 2013    صحة غزة: ارتفاع حصيلة شهداء الحرب إلى 35 ألفا و386 منذ 7 أكتوبر    وفد اليمن يبحث مع الوكالة اليابانية تعزيز الشراكة التنموية والاقتصادية مميز    الإرياني: مليشيا الحوثي استخدمت المواقع الأثرية كمواقع عسكرية ومخازن أسلحة ومعتقلات للسياسيين    الهيئة العامة للطيران المدني والأرصاد تصدر توضيحًا بشأن تحليق طائرة في سماء عدن    الجيش الأمريكي: لا إصابات باستهداف سفينة يونانية بصاروخ حوثي    طائرة مدنية تحلق في اجواء عدن وتثير رعب السكان    توقيع اتفاقية بشأن تفويج الحجاج اليمنيين إلى السعودية عبر مطار صنعاء ومحافظات أخرى    أمريكا تمدد حالة الطوارئ المتعلقة باليمن للعام الثاني عشر بسبب استمرار اضطراب الأوضاع الداخلية مميز    فنانة خليجية ثريّة تدفع 8 ملايين دولار مقابل التقاط صورة مع بطل مسلسل ''المؤسس عثمان''    أثناء حفل زفاف.. حريق يلتهم منزل مواطن في إب وسط غياب أي دور للدفاع المدني    منذ أكثر من 40 يوما.. سائقو النقل الثقيل يواصلون اعتصامهم بالحديدة رفضا لممارسات المليشيات    في عيد ميلاده ال84.. فنانة مصرية تتذكر مشهدها المثير مع ''عادل إمام'' : كلت وشربت وحضنت وبوست!    حصانة القاضي عبد الوهاب قطران بين الانتهاك والتحليل    نادية يحيى تعتصم للمطالبة بحصتها من ورث والدها بعد ان اعيتها المطالبة والمتابعة    اكتشف قوة الذكر: سلاحك السري لتحقيق النجاح والسعادة    مدرب نادي رياضي بتعز يتعرض للاعتداء بعد مباراة    الهلال يُحافظ على سجله خالياً من الهزائم بتعادل مثير أمام النصر!    منظمة الشهيد جارالله عمر بصنعاء تنعي الرفيق المناضل رشاد ابوأصبع    وباء يجتاح اليمن وإصابة 40 ألف شخص ووفاة المئات.. الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    وصول دفعة الأمل العاشرة من مرضى سرطان الغدة الدرقية الى مصر للعلاج    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عندما قال تروتسكي لتولستوي: كلا يا ليون نيكولايفيتش، لن تغير المحبة شيئا
نشر في براقش نت يوم 23 - 11 - 2010

«كلا يا ليون نيكولايفيتش، لن تغير المحبة شيئا. وحدهم المهذبون هم من باستطاعتهم تصديق ذلك. سوف تُسقى الأرض بالدم. سنقتلُ الأسيادَ وأبناءَهم، من أجل تخليص الناس منهم. ويؤسفني أنك لن تظل وقتئذ على قيد الحياة، كي تقف على بعدك عن الصواب.»
إنها الرقعة التي توصل بها الكاتب
الروسي ليون تولستوي (1828_1910) سنوات قبيل رحيله. فإن كانت غير موقّعة، فقد رُجحت نسبتها إلى تروتسكي (دون يقين مني أو طعن في صحة تلك النسبة).
كما أنها طريقة قد تؤخذ على أنها غريبة أيضا في بدئي حديثي بها عن إحدى النصوص التي وضعها في تلك الفترة، والتي اخترتها كي ألتفت من خلالها إلى الرجل في خضم الاحتفالات الثقافية المنظمة هنا وهناك للإشادة بالذكرى المئوية لغيابه.
إلا أنها تشكل نوعا من النقد المحدد لتعاليمه. وقد استعملتُ هذه الكلمة إذ هي الأقرب إلى وصف التركة الأدبية التي أنتج أعمالها في النصف الثاني من حياته. بعدما صار فريسة للأزمات الروحية التي نخرته نخرا وأودت به في الأخير تماما. إن التقسيم الذي أشرت إليه لا يهم العمر، بقدر ما يمت إلى خريطة روحه. وإذا كان ملحدا، ماجنا وسكيرا لردح من الزمن، وكتب في تلك البيئة كتبا بعينها، فإنه قد تاب في مرحلة تالية وصار يتحدث عن تعاليم المسيح، وعن المحبة تحديدا باعتبارها سبيلا مضمونة لخلاص البشرية.
من هنا تأتت مشروعية النقد اللاذع المتضمن في الرقعة التي افتتحنا بها هذا الحديث. وإن هي لم تكتف فقط بالنقد، بل قدمت فلسفة ومشروع عمل. وقد نويت أن أتطرق إلى كتاب نشره في تلك الفترة ذاتها. لم يكن محوره "المحبة في الرب" وحدها بل طرح فيه أفكار أخرى، شبيهة بها، على كثرتها وتنوعها.
إذا كان ما كانت تعد به (أو تتوعد به) الرسالة أعلاه قد حدث فعلا. فإن ما كتبه تولستوي حول المحبة وغيرها مما سوف نأتي عليه فيما يلي، يعتبر أيضا من شؤون التاريخ. والمحبة هنا للتذكير دينية ولا علاقة لها نهائيا بما تعنيه خارج تلك الدائرة بعينها.
لا أعتقد، كرأي شخصي، أن الثورة البلشفية هي أمر تاريخي انتهى أمرها، وتحولت إلى أرشيف ميت وكفى. في حين أرى أن قيمة أفكار تولستوي تظل تاريخية، لا تهمني نهائيا سوى باعتبارها وثائق بذلك المعنى. ولست أتحدث هنا عن فنه الروائي ولا عن ما يميز "رجعيته" عن غيره، إذ تخالط أفكاره التماعات منطقية ليست لأمثاله أبدا. كما نجد متعة كبيرة في تقصيه لتفاصيل النفسية الإنسانية المعقدة.
كان الرجل سيدا في روسيا الإقطاعية التي لا يجهلها أحد منا، ثم أنه أراد أن يعالج لوحده في فترة من فترات حياته معضلة الإقطاع بشكل فردي. دون التعليق على النتائج التي كان له أن يحصل عليها. إذا ما تغاضينا عن كل ما تواتر في سيره المعروفة عن تعامله مع الأقنان. الذي يهمنا هنا أن البحبوحة التي كان يرفل فيها شكّلت له ما يشبه الغصة، لأنها كانت تتناقض تماما مع الأفكار التي طالما دعا إليها.
إن اختيار حديثي عن رواية "السوناتة المهداة إلى كروتزر" من بين أعماله الأخرى كلها ليس جزافا. فالسوناتة التاسعة لبيتهوفن التي ارتبط بها اسم كروتزر، كان الموسيقار الكبير قد أهداها إلى ند أخر له حدث أن تعاون معه في تأليفها. وسرعان ما قرر حرمانه منها لصالح هذا الأخير في ظروف سكر غامضة، مع العلم أن الموسيقار كروتزر هذا كان من أشد المعارضين بل أنه من المقتنعين باستحالة العمل على تلك التوليفة.
إن طبيعة تلك السوناتة، في اعتقادي، يشبه نوعا، التدرج الذي عرفته حياة تولستوي. فهي طويلة على غير ما هو معتاد في التأليف المخصص لآلة الكمان، بالرغم من مرافقة البيانو لها، إذ تتكون من ثلاث لحظات، أولاها عنيفة ومفزعة، الثانية تأملية، في الوقت الذي تميل فيه الثالثة إلى ما يشبه الحبور.
أطلق تولستوي اسمها على نصه، ليس لأنها تعتبر مجرد عنصر ثانوي فيه، ولكن ليس أيضا لأنها تشكل بؤرته.
قد يبدو لمن لم يقرأ الكتاب بأن الكاتب قد وضع له اسم السوناتة السالفة الذكر كي يمجدها، لكن الأمر في الحقيقة هو على عكس ذلك.
أشير، قبل العودة إلى موضوعة الموسيقى، بأن هذا النص يشبه محاضرة يمرر الكاتب من خلالها أفكاره، وذلك بطريقته الخاصة. لابد أن الرجل قد استفاد من تقنيات ديدرو في الكتابة، لأن ديدنه في التأليف هنا لا يشبه الحوارات السقراطية بقدر ما يقترب من الذي ذكرناه بشكل لصيق. خاصة وأن الحوار في النص المعني ليس مجرد حوار بسيط، بل هو سرد حياة، طويل على كل حال، من طرف واحد، يتخلله بشكل طفيف تدخل محاوره بين الفينة والأخرى. "السوناتة" هنا إذن بهذا المعنى خطاب اجتماعي/أخلاقي. يتقمص الكاتب فيها عكس ما يمكن توقعه شخصية الآخر، وليس شخصية الراوي، ولا السارد المتكلم. بالرغم من أن اعتراضات موضوعية ومنطقية كثيرة تتخللها. فلا عجب من ذلك، إذ أن الكاتب نفسه ليس متزمتا بالمرة كما قد يخال البعض ذلك.
عُرف عن تولستوي اعتناءه بتركيب جملته، خلاف كتاب آخرين، ذلك أنه يراجعها كثيرا كي لا تخرج إلى الناس إلا بعدما يتحقق لها كمال تام. الأمر الذي لاحظتُه حتى في الترجمة الفرنسية التي صيغت بكثير من العناية، خاصة وأنني أتحدث عن ترجمة له تعود إلى أواخر الخمسينيات. وكانت من انجاز سيلفي لينو. (في حين أن ترجمة أخرى لميشيل أوكوتيرييه قد صدرت حديثا).
فما الذي أراده تولستوي من نص يحمل كعنوان اسم أشهر تأليف موسيقي عريق؟ لا أغالي إن قلت بأن ما أراده تحديدا هو عكس جمال ذلك الفن. ما سعى إليه بالتأكيد هو هجاء الموسيقى وإعلان الهيجاء ضدها! مع أن بطله بوزدينيتشيف قد استحسنها أول العهد، ثم ارتأى فيما بعد بأنها بحق أم الشرور!
إن بعض الأعمال الأدبية مثل السوناتة توفر مرحا خاصا على مستوى الأزمنة. وسيجد فيها هواة تلك التمارين ضالتهم بلا شك. خاصة وأنه حصر فيها زمن الحكي في ليلة واحدة، وفي مكان واحد مركب من أمكنة أخرى، لأنها تحدث داخل مقصورة قطار متحرك. وقد حدث أن تراكب فيها بشكل طريف هذا القطار بقطار آخر مرتبط بزمن الفعل.
غير أن هَم تولستوي في نصه هو إبراز كون الممارسة الجنسية، أو ما يسميه بالحب الجسدي، أمر سيء جدا، ويدعو فيه إلى الإمساك عنه، طارحا أراء مضطربة حول الزواج واصفا إياه بأنه "بغاء مقنّع"، ثم حول ضرورة التقشف في فنون الأكل، لأن الطعام الدسم والوفير هو الذي يدفع الشباب، في نظره، إلى اقتراف "الفاحشة". ثم قال كلاما ملتبسا حول علة خلق الرب للبشر على الأرض وحول المهمة التي رهنهم لها، نافيا أن يكون للرب دخل (أو إرادة) في شأن التكاثر واستمرار النسل، وبكون ذلك على كل حال أمرا يمكن الاستغناء عنه دون أن يحد الوجود البشري على الأرض، لكنه لم يستطع أن يبين لنا كيف ذلك.
لذلك فقد صب بالتحديد جام غضبه على الأطباء وعلى الموسيقى، ضمن أمور أخرى. إلى درجة أنه سمى الأطباء في النص ب"رهبان العلم"، بل مضى إلى أن وصم الطب في الرد التوضيحي الذي دبجه فيما بعد، وألحقه به، يرد فيه على القراء الذين سألوه عن المغزى من كتابه، بأنه "علم كاذب"! إن ما يؤاخذ عليه الطبَّ هو تلك الإجراءات التي أتى على تطبيقها فيما يتعلق بالحد من النسل أو منعه. وهو الأمر الذي يوفر للمرأة، التي لم تسلم هي أيضا من تهجمه، لأنها رأس الأفعى في عرفه، من الضلوع في خياناتها بدون رقيب.
يتعلق الأمر في النص بعلاقة زوجية ساد فيها التمزق وسوء التفاهم، ما أدى طولا إلى الخيانة التي أعقبتها جريمة شرف. إن الموسيقار الذي يقطن في جوار هذين الزوجين، والذي تقرب منهما، ودُعي كي يعزف مع الزوجة المغرمة بالموسيقى، هو الذي اختار عزف السوناتة المهداة إلى كروتزر. إنها إذن اللحن المهيج والذي لا تقاوم بعده أبدا إغراءات الشهوة.
أراد تولستوي وبشكل مثالي الإقرار بمساوئ الجنس، الموسيقى وغيرها من الملذات. منغمسا في ليل روحانياته المتعالية على وضعه الاجتماعي أو المسندة له. ونسى أن أمثاله من الملاكين هم الذين يزينون في خطاباتهم الخداعة ملكوت الحرمان والنقاء، في الوقت الذي ينعمون فيه هم بما ملكت أيديهم (بل أيمانهم أيضا).
لا يهمنا ما إذا كان تولستوي بريئا وصادقا، مادامت أفكاره المبثوثة في الكتب التي وضعها في الفترة التي تلت تأزمه النفسي، سموما في عين كل عقل نقدي ومنطقي.
غير ذلك، نذكر هنا كاتبا كبيرا، بعد قرن من رحيله، ونحن ما نزال في حاجة ماسة إلى دحض أفكاره الرجعية، متطلعين إلى أدوات جديدة لمقارعة الملاكين الجدد، متأسفين على الخروج "النبوي" لتولستوي من ملكيته كي يموت في العراء، ظانا منه أنها طريقة مثلى لعلاج ما بين الطبقات من بين. لكن، ما هكذا تورد الإبل يا ليون نيكولايفيتش في ذكرى رحيلك!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.