مع حلول الذكرى الثامنة لهجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول على الولاياتالمتحدة، يكثر الحديث عن الواقعة التي غيّرت وجه التاريخ ودفعت إلى الواجهة مصطلحات لم يعهدها العالم من قبل مثل "الحرب على الإرهاب" و"الضربات الاستباقية،" لكن السؤال الأساسي الذي يغيب هذه الأيام هو: أين أسامة بن لادن؟ فبن لادن، زعيم تنظيم القاعدة الذي أعلن مسؤوليته عن الهجمات، ما زال بمنأى عن قبضة العدالة، رغم انتشار عشرات الآلاف من جنود الجيش الأمريكي في مناطق النزاع مع التنظيم وحلفائه، سواء في العراق أو أفغانستان، وصولاً إلى المناطق الحدودية مع باكستان، التي فيها تواجد أمني مكثف. وفي هذا الإطار، كتب بيتر بيرغن، خبير شؤون الأمن القومي لدى CNN، ومؤلف كتاب "أسامة بن لادن الذي أعرفه.. التاريخ الشفهي لقائد القاعدة" تحليلاً معمقاً للقضية قال فيه إن ثماني سنوات مرت دون العثور على "المطلوب الأول في العالم" حتى بعد أن غيرت الإدارة الأمريكية الجديدة مصطلح "الحرب على الإرهاب" إلى "الحرب على القاعدة وحلفائها." وقال بيرغن: "ليس لدى واشنطن أدلة قوية تشير إلى مكان تواجد بن لادن منذ الفترة التي أعقبت معارك تورا بورا في أفغانستان عام 2001، رغم التقارير التي تفترض وجوده في المناطق الحدودية لباكستان، أو أماكن أخرى مثل باجور." ونقل بيرغن عن خبير أمني قوله إن الولاياتالمتحدة لا تمتلك مؤشرات حول بن لادن حالياً، سواء من خلال ما يدلي به الجواسيس، أو عبر التنصت على المكالمات الهاتفية ورسائل البريد الإلكتروني. ويسأل بيرغن: "هل من المهم معرفة ما إذا كان بن لادن على قيد الحياة؟ الجواب هو نعم، لأن هناك عدالة يجب أن تطبق لصالح عائلات أكثر من ثلاثة آلاف ضحية لهجمات سبتمبر، وآلاف أخرى من أقارب ضحايا هجمات القاعدة حول العالم." ويضيف: "كل يوم يبقى فيه بن لادن حراً يسجل فيه تنظيم القاعدة انتصارا دعائياً جديداً، كما أن زعيم القاعدة ومساعده أيمن الظواهري يوجهان هجمات التنظيم حول العالم، رغم أنهما لا يشرفان على العمليات اليومية." وبحسب بيرغن، فإن بن لادن والظواهري تمكنا من الوصول إلى مئات الملايين من الناس من خلال الأشرطة والرسائل التي يبعثان بها إلى الإعلام، والتي قال إن بعضها يحتوي على رسائل مشفرة لخلايا التنظيم، كما في حادث مهاجمة السفارة الدنمركية في باكستان، والذي أعقب رسالة تهديد وجهها بن لادن إلى تلك الدولة بسبب الرسوم التي اعتبرت مسيئة للنبي محمد. ويؤكد بيرغن أن أجهزة الاستخبارات الأمريكية تدرك بأن جميع التسجيلات الصوتية المنسوبة لبن لادن هي له بالفعل، وذلك بعد التدقيق ببصمة صوته الخاصة، وهو ما يؤكد أنه حي، ويدحض الشائعات حول إصابته بفشل كلوي، حيث أن تسجيلاته المصورة في عامي 2004 و2007 لا تظهر آثار مرض. أما حول اختباء بن لادن في مناطق القبائل بباكستان، فقد قال بيرغن إنه تحدث إلى آرثر كيلر، وهو مسؤول سابق في وكالة الاستخبارات الأمريكية CIA، كان يدير شبكة تجسس في تلك الأرجاء عام 2006، وقد قال له إن التحقق من ذلك أمر صعب باعتبار أن مناطق القبائل معزولة للغاية ويعيش فيها "بحر من البشر" ما يجعلها عصية على الغرباء. ويثير بيرغن أيضاً قضية الخلفيات التي تظهر في تسجيلات بن لادن والظواهري، حيث تبدو بعض الأحيان مكتبات أو ستائر، كما يظهر القياديان بثياب نظيفة ومكوية، ما يشير إلى أنهما ليسا من سكان الكهوف أو الأماكن الوعرة التي لا تتوفر فيها الخدمات. وينقل بيرغن أن الولاياتالمتحدة حاولت من خلال الاعتماد على الغارات التي تنفذها الطائرات العاملة من دون طيار في مناطق القبائل "اصطياد" قادة التنظيم لبث الفوضى في صفوفه وإثارة موجة من الاتصالات التي قد تساعدها على الوصول لبن لادن، لكن هذه الإستراتيجية أثبتت عدم نجاحها. ويخلص بيرغن إلى أن القبض على زعيم تنظيم القاعدة حياً قد يكون أمراً شديد الصعوبة، خاصة بعد ما ذكره حارسه الشخصي السابق، أبوجندل، الذي قال لصحيفة "القدس العربي" إن بن لادن سلمه مسدساً يحتوي على طلقتين، وطلب منه استخدامهما لقتله إذا اقترب أحد من القبض عليه. ويختم بالقول: "بن لادن سيقتل أو يُقبض عليه في نهاية المطاف، لكن الحركة الأيديوليوجية التي أسسها وبات يمكن أن نطلق عليها وصف 'البن لادنية' ستعيش لفترة طويلة بعد رحيله." يذكر أن بن لادن في الأصل سعودي الجنسية، وهو ينتمي إلى عائلة كبيرة في المملكة، وينشط الكثير من إخوته في مجالات اقتصادية وتجارية متنوعة.