أن توقف سائق سيارة وهو ماضٍ في طريقه لتقول له بصيغة الأمر: أقفل صوت الغناء، أو تأخذ منه ال mp3 لتصادر حقه في الغناء، وتسلبه هذا الجهاز الصغير، فهذا لا يعبِّر عن الدعوة إلى الله.. ولا تنتظر من هذا السائق بعد هذا الفعل أن يترك عمله ويلتحق بالمسيرة القرآنية، أو يصبح واحداً من أنصار الله. وأن تقتحم حفل زفاف في مدينة عمران وتمنع الفنان من الغناء، وتقطع رزقه، وتُلزمه بكتابة تعهُّد، بعدم الغناء مرة أخرى، تحت ذريعة أن أصحاب العرس يزعجون الناس بمكبِّرات الصوت فهذا عذرٌ واهٍ، لأننا لم نسمع أن أحداً أقام عرساً في وضع صامت أو هزَّاز. الأغنية لن تُدخل صاحبها النار، ولن تخدش الآداب العامة، ولن تُربك سير الذوق العام.. وإن كانت الموسيقى محرَّمة، في نظرك، وأردتَ أن تهدي رجلاً يسمع الغناء فلتكن موعظتك حسنة، ولتكن حُجَّتك مقنعة.. وإن لم تستطع هدايته فلن يضرك ضلاله إذا كنتَ أنت على الصراط المستقيم.. ولا تتوقع من هذا السائق أن يمر، في اليوم التالي، من النقطة التي نصبتَها وهو يسمع محمد حسين عامر والقريطي. نترك الدماء التي تُسفك كلَّ يوم، والكهرباء التي تنقطع، والطُّرق المليئة بالمتقطِّعين، واختطاف الفتيات الذي انتشر بصورة مرعبة، وننشغل بمنع الأغاني ومصادرة فلاشات السائقين، وكأن الأغاني هي السبب الرئيسي في انتشار الإرهاب وتزايد الاغتيالات وتدهور اقتصاد البلاد!! أخاف من الرجل الذي يحمل سلاحاً، ولا أخاف من الرجل الذي يسمع الأغاني.. لأن المولع بالموسيقى لن يفكر بالقتل، ولن يذهب لتفجير الكهرباء، ولن ينساق خلف الفتاوى التي تضمن له الحور العين.