أحب على رأسك يا أمي، أتوسل إليك، ادعي لي، أرجوك ارضي عني، أنا من غيرك ما اسواش بصلة، أنا من غيرك ولا حاجة، حملتيني في بطنك تسعة أشهر، في أول شهرين أتعبتك بالوحام، وسديت نفسك من كل شيء، ومكنتك: أشتي كبدة.. أشتي تفاح أخضر... وطول الليل أزبط داخل بطنك، مهما سويت يستحيل أن أعوضك على زفرة واحدة من ألم المخاض، أتعبتك بفطامي وفصالي، وسهرتك ببكائي ومرضي، وغصغصتك في دراستي، طالما هربت من مواجهة أبي وألححت بطلباتي كلها عليك، طالما استثمرت قلبك الطيب فتآمرت وتدللت وبكيت وصرخت... كنت تخرجي اللقمة من فمك وتؤكليني إياها، وتعطيني الفلوس أشتري اللي أشتي، وتنسي اللي تشتي. ولو سن من أسناني آلمتني تسهري جنبي طول الليل، وكأن الألم ألمك وليس ألمي. أول هدية أهديتها لك كان "خاتم" حوشت قيمته من مصروفي واشتريته بثلاثمائة ريال. كنت حينها في الصف الثالث الابتدائي. وأذكر أنني بعدها كنت كلما زعلت أقول لك: "هاتي حقي الخاتم"، فكم أنا جاحد أمام عطفك وحبك! وكم أنا ضعيف بلا دعواتك! وكم أنا منحوس لو زعلتك!... كنت تلاحقيني على صلاتي وواجباتي، ولو قصرت فيها تعاقبيني بدون ما تسخي عليَّ بالضرب. قبل أذان الفجر كنت تصحيني بدعواتك: "قوم صل يا ولدي الله يرضى عليك". وبعد الصلاة تجهزين لي الحليب والصبوح، وتقولين لي: "لا ترجع تنام، هذا أحسن وقت للمذاكرة". جنتي تحت قدميك، ودعواتك مصدر سعدي وحظي وفلاحي، دعواتك تحرسني، وقلبك الطيب يرافقني، ورضاك أولا وثانيا وثالثا... يا أروع قلب بالطمأنينة سكنته، وأروع إحساس بالإيمان عرفته، وأجمل دعاء سمعته، وأدفأ يد ربتت على رأسي وأطعمتني ألذ خبز تذوقته... من أجلك يرحمني ربي ويعفو عني ويحفظني ويسددني... إن كان اليوم عيد الأم فأيامي كلها عيدك يا أمي، ولا يكفي عمري كله لأحتفل بك. ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا ربي ارحمها كما ربياني صغيرا... آمين!