استبدل اليمنيون وساطات الهدنة بالحوار السياسي. وخلال اليومين الماضيين شهد اليمن كل أشكال الحرب. سقوط عشرات القتلى والجرحى، وقصف بالطيران، ومعارك عنيفة بالأسلحة الثقيلة داخل الأحياء، والاستيلاء على مقار حكومية، وخطف أجانب، وسيطرة جماعات مسلحة على مدينة زنجبار. انتقل المشهد اليمني من خلاف بين المعارضة والنظام الى صراع بين القبائل. تخلى اليمنيون عن النموذجين التونسي والمصري. عاد اليمن الى أزمته التقليدية، وبات الانتقال السلمي للسلطة تحفه شكوك كبيرة. الوضع في اليمن تجاوز مرحلة مبادرة مجلس التعاون، والرئيس اليمني علي عبدالله صالح سعى بتصميم الى هذا الوضع. لهذا من المستبعد الانصات الى حديث عن انتقال سلمي للسلطة في ظل الحشد القبلي، والعنف المتبادل، وضعف صوت الشباب المطالبين بالتغيير. الأحداث تشير الى أن الأمور تسير نحو حرب أهلية واسعة النطاق، وربما تجاوزت في عنفها ما يجري في ليبيا. وهذا يعني ان تدويل قضية اليمن اصبح مطروحاً بقوة، بخاصة أن الدول الغربية سعت في الماضي الى التدخل في اليمن بحجة محاربة الإرهاب، وهي لن تتردد الآن في خطف هذه الفرصة. هذا التطور يفرض على دول مجلس التعاون التحرك في شكل مختلف، وعلى نحو يضمن لها دوراً مؤثراً في هذا التدخل، على غرار ما جرى خلال أزمة احتلال الكويت. لا شك في ان دول الخليج ستتردد كثيراً في الذهاب الى مبادرة تتضمن تدويل أزمة اليمن، والتدخل عسكرياً لحسم الوضع. وهذا التردد مفهوم ومقدر، فدول التعاون تحركت في البداية لمنع وصول الأمور الى هذه النهاية. لكن المؤسف ان هذا التدخل سيحدث بدول الخليج أو من دونها، وعوضاً عن تقديم اليمن الى القوى الغربية والجلوس في مقاعد المتفرجين، كما حدث في الأزمة الليبية، فإن الحل الأقل كلفة هو تحرك دول الخليج بمبادرة تتضمن تشكيل تحالف عربي ودولي يكون لدول الخليج دور فاعل فيه. الأكيد أن التردد في اتخاذ قرار سياسي جريء تجاه أحداث اليمن سيضاعف من حجم الخسائر التي ستتكبدها دول مجلس التعاون. صحيح ان الكلفة المعنوية لن تكون سهلة، وسترتفع أصوات ضد قرار بهذا التوجه، كما حدث عام 1990، لكن، لا مجال للمساومة بين الأمن وأضرار الدعاية السياسية.