* قيل إن الفقيه الأشعري أحمد الإسفراييني طلع على أصحابه يوماً وهو في غاية السرور، فسألوه عن السبب، فقال : ناظرت اليوم رجلاً جاهلاً فغلبته (!) قالوا له : وأنت الذي تغلب العلماء تفرح بغلبة الجهال؟ فقال : العالم يرده عقله وعلمه ودينه، وأما الجاهل فلا يرده فهم ولا عقل ولا دين، ولذلك فإن غلبته فرصة نادرة!. وقد قيل إن الجهال يغلبون العلماء، لأن بضاعة الجاهل نفايات كلام وثقافة وأسلوبه التعصب لجهله وتفكيره غير متعود على تقبل المنطق، بينما العالم يمتلك الحجة والدليل والمنطق وهدفه الوصول إلى الحقيقة المحتملة التي لا تمثل شيئاً لدى الجاهل وليست من مطالبه. تذكرت حكاية الفقيه الإسفراييني هذه وأنا أتابع نقاشاً جرى بين أحد المثقفين في مجالي القانون والسياسة وبين أحد قيادات شباب «التغيير» وكان موضوع النقاش محتويات كراس صغير عن ضرورة تشكيل المجلس الانتقالي وأهدافه ومهامه وكيفية تشكيله. * الكراس أصدره شباب الإصلاح في صنعاء باسم التحالف المدني الشبابي.. وتضمن رؤيتهم حول الحاجة لتشكيل مجالس انتقالية في المناطق «المحررة» ينجم عنها مجلس انتقالي ثوري عام يحل محل النظام الذي سقط ورحل (!). ولا يزالون إلى اليوم يرفعون شعار إسقاط النظام، ويهتفون «ارحل».. وهذا من غرائبهم طبعاً. المثقف في مجال القانون والسياسة يقول لصاحب الكراس «الانتقالي»: صياغة المسودة ركيكة من كافة النواحي.. فيرد عليه الجاهل : الركاكة في ضميرك لأنك خصم للثورة الشبابية الشعبية.. ويقول له : المسودة تخلط بين الأهداف والمهام. فيرد عليه : كله واحد.. يقول له : المسودة فيها تضارب من حيث طريقة تكوين المجلس الانتقالي ومن حيث العدد وتمثيل المحافظات.. وفيه أشياء مضحكة كأن الذي كتب المسودة «جحا» وليس حزب الإصلاح -اخوان اليمن .. فيرد عليه الجاهل : أنت تتبع الأخطاء والهفوات. وفي النهاية حسم ذلك المثقف النقاش بعبارة واحدة : من أين «جابوا» لي هذا الجاهل؟ * حينها تدخلت في النقاش الذي انتهى بسكوت الشاب عن سؤال المثقف.. وقلت «جابوا لك هو» من ساحة التغيير.. وأيش تنتظر من ساحة تعج بالغوغاء والجهال.. هذه بضاعتهم، ولو كنت مكانك لما حاولت القيام بإرشادهم إلى الصواب كما حاولت أنت.. الأولى أن تعين الأحمق على نفسه، وتعين الجاهل على «ثورته»، أو على الأقل اتركه سادراً في غيه.. هؤلاء أفاعٍ وليس من الرشد أن تسقي الأفعى سماً.. وبالنسبة لي قد اطلعت على مسودة «المجلس الانتقالي» قبل خروجه من المطبعة، وفرحت به مثلما فرح الفقيه الإسفراييني بانتصاره على ذلك الجاهل قبل أكثر من ألف عام.. لكن بدون عقد المناظرة.