إن الابتسامات الصفراء والمجاملات المتبادلة للمسئولين في الفضائيات العربية ،يدركها الشارع العربي من قسمات الوجوه وتعابيرها انعكاسات سلبية لما تجيش به الصدور، تمنعهم من الحوار الجريء الصريح المباشر وخواطر أزلية أليمة تختزن في القلوب بعدم التوافق ممّا يدلّ على عدم احترام هذا الوطن الذي ندّعي عشقه والهيام به وبأننا نكن له كل الحب ..لتجردنا من هذا الاحترام والتقدير لهذا المحبوب الذي ينهش الأعداء جسده كل يوم على مرأى من أعيننا، ويتضاءل حجمه ونحن في هلوسات وشعارات لا همّ لنا إلا التشفي وشفاء الغليل وإرضاء الأسياد وبث العداوة والبغضاء بين أبناء الوطن الواحد بل الأوطان العربية والأمة الإسلامية متجردين من كل القيم والأخلاق متشبثين بالمراكز والمناصب في حكومات لا تحترم نفسها ولا تحترم شعوبها وأوطانها ،وتبعات ذلك تشبثهم بالسلطات ،وكان الأجدر بهم الاستقالة عند حدوث أي فشل أو خلل أو إهمال أوعجز في أداء مهماتهم وواجباتهم والاعتراف بذلك إن كانوا أهلا للمسئولية والوطنية والحرية والديمقراطية والمصارحة بذلك أمام شعوبهم بتحملهم المسئولية لهذا الخلل الحاصل . لا نعتقد أن المسئول الشريف المحب لوطنه وشعبه- والذي يحترم ويقدّر نفسه - يضيق ذرعا بالنقد والاتهامات، بخلاف ذلك المسئول المتعلق بالكرسي مع مناصريه الذين لا يبالون بمصير شعوبهم ومعاناة مواطنيهم وبمشاعر الألم والحرمان فيضيقون ذرعاً بهذا النقد والتجريح يوزعون اتهاماتهم في كل اتجاه غير مبالين يلهثون نحو كراسي السلطة للتسلط على شعوب مغلوب على أمرها ، أملها في وطن خالٍ من الصراعات والأطماع الخارجية والداخلية و الاستجابة لتدخلات شرفاء الأمة لنبذ الفتنة بين أبناء الوطن وإصلاح ما أفسده المفسدون- الذين مزقوا الوطن وباعدوا بين رفاق السلاح وعطلوا الجهاد والمقاومة – لتعود الأمور إلى نصابها الصحيح في توافق الرؤى بين أخوة السلاح في الضفة والقطاع وفي سائر البلاد العربية والإسلامية التي تعاني من صراعات داخلية يمكن الاتفاق والسيطرة عليها طالما أنها مشكلة داخلية من خلال بعض التنازلات والتضحيات –التي تستحقها فلسطين – لتفلح الجهود المبذولة في تأمين التوافق على الانتخابات التشريعية والتنفيذية والرئاسية لنتفرغ للبناء والتعمير بعيداً عن المشاحنات التي لا فائدة منها إلّا لأطراف أو أعداء لهم أجندتهم لا يريدون وفاقاً وأمناً مستقرا وإعمارا وسلاما . إن مساحة فلسطين تتقلص وتتمزق ومعالمها تتغير يوما بعد يوم ، في حين ما يسمى بديلا عنها باسرائيل تتمدد باستيطانها الصهيوني على أية أرض فلسطينية أومنزل مقدسي يرغب اليهودي فيه ، بينما نتمادى في رفع الشعارات الطنانة الرنانة فلا مغيث ولا مجيب لها بعد تخلي الأنظمة العربية عن القضية وفك الارتباط بها بحجة استقلالية القرار الفلسطيني في الوقت الذي لم ترفع يدها عن التأثير عليه بل ازداد القرارالفلسطيني تبعية لسياسة الأنظمة العربية ولا سيما المجاورة لفلسطين . في هذا الوضع هل يقاوم الفلسطيني أم لا يقاوم ؟ حتى في هذا الوضع المأساوي للقضية ،فلا بدّ أن تكون هناك مقاومة مع أنها لوحدها في ظروفها الحالية لن تؤدي إلى تحرير فلسطين وإقامة الدولة العتيدة دون استنهاض الذمم والهمم لشعوب العالم –وليس حكامها- وبخاصة في أمريكيا والغرب للضغوط على حكوماتها وإسرائيل للوصول إلى بعض الحقوق الفلسطينية التي لن تتحقق ما دام الفلسطينيون منقسمين على أنفسهم ، ولن يحققوا أية تنازلات ما داموا رهينة لإسرائيل والمصالح العربية . ما زال ولا يزال أملنا في الله باقيا سرمديا ثم في أبناء فلسطين العقلاء المرابطين في أرض الرباط وحكماء الوطن العربي والأمة الإسلامية لإنقاذ فلسطين وأولى القبلتين ورأب الصدع في الأمتين ..وسيتحقق ذلك- إن شاء الله – إذا كنا مؤمنين فاعلين ومؤثرين وليس متفعّلين متأثرين ، وأن نكون متحررين من التبعية العمياء لأزمة اللاوعي التي عشناها ونعيشها اليوم حتى ألقت بظلالها على مجتمعاتنا وقضايانا ، و وقفت حائلاً في سبيل الخروج برؤية خالصة لوجه الله ..