مؤلم جداً أن يحتفل تجمع الإصلاح بالذكرى الرابعة والعشرين لتأسيسه وهو يتلقَّى ضربات موجعة مثل ملاكم عجوز. الحلبة تدور أمام عينيه، الكدمات تملأ وجهه، الدم يسيل من أنفه، وصيحات وصافرات الاستهجان تملأ المدرجات، ومع كلِّ هذا، يكابر ويرفض إنهاء المباراة، وكأنه ينتظر الضربة القاضية!! كتبت هذا الرأي في موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك) فعلَّق أحدهم تعليقاً طريفاً، لكنه يوضح كيف يفكر معارضو منهج وسياسات حزب الإصلاح، بعد سلسلة إخفاقاته المدوية والمستمرة منذ نهاية العام 2011م. قال صديقي في تعليقه: "الذكرى ال24 والأخيرة". من ناحية، يعبِّر هذا التعليق عن رغبة في إقصاء هذا الفصيل الذي تم تجميعه عام 1990م مواكبةً لمناخ التعدد، وتم تطويعه لخدمة بعض أركان النظام ومبررات رفض الشراكة والتعايش معه من وجهة نظر البعض أنه لا يؤمن بالشراكة والتعايش مع الآخرين، ويوظف الدين لتحقيق أطماعه السياسية، إضافة إلى أن شرَّه يعم الجميع، بينما يحتكر المنتمون له كل المكاسب. ويدلِّل أصحاب هذا الرأي على صحة ما يذهبون إليه بأن (جامعة الإيمان) تفتح أبوابها ل(الإخوان) القادمين من كل أنحاء العالم، لكنها لم تتحول إلى جامعة وطنية لكل أبناء اليمن، فلا أحد- غير الجماعة- يعرف شروط القبول ونظام الدراسة، ولم يتم الإعلان عن ذلك في وسائل الإعلام كما تفعل بقية الجامعات الرسمية والأهلية. وجمعية الإصلاح الخيرية هي الأخرى- كالجامعة- حكر على الجماعة، باستثناء مواسم الانتخابات، حين يكتشف المسئولون عن الجمعية وجود فقراء- خارج دائرة الإخوان- يستحقون الدعم، ويحاولون شراء أربع سنوات من أعمارهم بكيس قمح والقليل من الأرز والسكر والزيت!! الإقصاء هو دعوة صريحة لحرب أهلية، وتشريع لفتنة لن تخمد نارها إلَّا وقد أكلت الأخضر واليابس، ولذلك فلا مفر من التعايش. لا أحد ينكر أن حزب الإصلاح أخفق في كلِّ شيء: سياسياً وفكرياً، إعلامياً وأخلاقياً. أضاع الفرص السانحة، وأصرَّ على تضييعها طوال أربع سنوات تقريباً. كان بإمكانه أن يقدِّم للمواطن اليمني البسيط بعضَ الأمن وشيئاً من الاستقرار. وحين عجز عن ذلك كانت لديه فرصة لمخاطبة الشعب بمصداقية، واقتراح حلول منطقية وقابلة للتحقق، والانحياز لمطالب المواطن، بدلاً عن التشبُّث بالسلطة. شباب الإصلاح أنفسهم يدركون هذا الأمر، وباتوا يتحدثون عن ثورة شبابية للتغيير الشامل داخل الحزب، تجدِّد دماءه، وتحوِّله من جماعة دعوية انتفاعية إلى حزب سياسي برامجي. هذه الثورة إن حدثت في أكتوبر- كما أكد لي إصلاحيون- ستؤدي إلى انقسام كبير؛ لأن عدداً كبيراً من الشباب يرفضون تحطيم الأصنام، المتمثلة في أشخاص وأفكار وآلية عمل، كلها محاطة بالتقديس. الإقصاء ليس الحل، والنغمة الاحتفالية بالذكرى الرابعة والعشرين لن ترمم الخراب أو تحجب الحقيقة. كان يجب بدلاً عن ذلك ممارسة النقد الذاتي وإجراء عملية مراجعة شاملة لإعادة تجميع هذا التجمع، وفصله عن جماعات الضغط والابتزاز، وجوقة الوعَّاظ، وتنظيف أياديه من الدماء، وقطع الحبل السري الذي يربطه بالتنظيمات الإرهابية. من دون ذلك، ستكون هذه الذكرى بالفعل، هي الرابعة والعشرين.. والأخيرة.