تطرح الأحداث في اليمن أسئلة حارقة يمنياً وإقليمياً ويميناً ويساراً وجنوباً. تحمل كلها، أي الأسئلة، نذر مرحلة تفسُّخ فيما يراها البعض أو يتراءى له أنها بشائر أوضاع جديدة ومرحلة مختلفة في تاريخ المنطقة. ولمحاولة فهم تصاعد الأحداث ووصول شررها إلى السعودية لا بد من إعادة قراءة الوضع في اليمن. وأول الأسئلة التي تطرح نفسها: هل كانت وحدة اليمن وحدة حقيقية أم هروب نظامي الشطرين إلى الأمام؟ ولماذا جرى الدفع باتجاه التوحيد الإجباري، هل كان عادلا ومطلباً جماهيرياً أم انتصار طرف على طرف آخر؟ أيضاً من الذي دعَّم الوحدة؟.. ولماذا؟ واضح أن توحُّد اليمن رغم أنه كان مطلبا شعبياً في الشطرين، إلا أنه أيضاً كان يهم قوى إقليمية تدقق في المصالح وهذا من حقها ومصلحتها. وليس سابقة في علاقات الدول العربية الكبيرة مع الدول الأصغر أو الأفقر المجاورة. سوريا ولبنان مثالاً. وكذلك مصر والسودان، والعراق والكويت وإن كانت التجربة.. دموية عبثية. نتيجة الوحدة ''التوحيد'' لم تؤدِّ إلى ما يقنع الجنوبيين، الذين كانت لهم دولة، بأن الدولة الواحدة منحتهم حقهم في الحياة المزدهرة المستقرّة، ولا أوجدت وظائف لأبنائهم. ما جعلهم يشعرون بالتمييز في نصيبهم من كعكة الوحدة، الصغيرة قليلة الدسم أصلاً. هذا أحد عوامل تفجير الوضع. وكما هو حال معظم الألغام في الدول العربية فإن تسييس رغيف الخبز ظاهرة عامة عندما يصبح الرغيف مطلباً شعبياً. والتسييس يفتح على الأدلجة سياسيا ومذهبيا. وعندما يفتح باب الأدلجة تدخل رياح خارجية ويصبح البلد ساحة مفتوحة للحسابات والتصفيات والأهداف الإقليمية والدولية. في حالة اليمن الراهنة انفجر لغم ثلاثي الأبعاد: الحوثيون وما يقال عن دعم إيران لهم. والجنوبيون بأصولهم وارتباطاتهم اليسارية والمناهضة ل ''الإمبريالية''. والبعد الثالث تنظيم ''القاعدة'' بأهدافه المعروفة ضد السعودية تحديداً. ولكلٍّ من الأطراف الثلاثة مصلحة في تفجير زلزال اليمن لصوملته ولتطال هزاته السعودية.
لكن لماذا الحوثيون تحديدا؟ لماذا هم الذين نزعوا الفتيل ليحدث الانفجار الثلاثي؟!
السبب هو نفسه الذي مزق ويمزِّق العراق حتى الآن، ويفجِّر باكستان كل صباح ومساء، وحرق، قبل مؤتمر الطائف، كلَّ لبنان، وهو الذي يفتِّت الآن النسيج الاجتماعي في معظم الدول الخليجية والعربية. وهل أكثر تدميراً من سلاح الفتنة الطائفية والمذهبية لكسر أية دولة وتركيع أي شعب وهزيمة أية أمة؟!