صنعاء.. تشييع جثامين خمسة ضباط برتب عليا قضوا في عمليات «إسناد غزة»    أبو الغيط يجدد الموقف العربي الملتزم بوحدة اليمن ودعم الحكومة الشرعية    البنك المركزي بصنعاء يحذر من شركة وكيانات وهمية تمارس أنشطة احتيالية    الكويت تؤكد أهمية تضافر الجهود الإقليمية والدولية لحفظ وحدة وسيادة اليمن    صنعاء توجه بتخصيص باصات للنساء وسط انتقادات ورفض ناشطين    وطن الحزن.. حين يصير الألم هوية    فقيد الوطن و الساحة الفنية الدكتور علوي عبدالله طاهر    بين مَطرقة الغياب وسِندان النسيان.. 96 يوماً من الوجع 63 يوماً من "العَدَم    مصر: نتنياهو يعرقل المرحلة الثانية من اتفاق غزة    حريق يلتهم مستودع طاقة شمسية في المكلا    إصابة مواطنين ومهاجر إفريقي بقصف متجدد للعدو السعودي على صعدة    حضرموت تكسر ظهر اقتصاد الإعاشة: يصرخ لصوص الوحدة حين يقترب الجنوب من نفطه    القائم بأعمال وزير الاقتصاد يزور عددا من المصانع العاملة والمتعثرة    تحليل في بيانات الحزب الاشتراكي اليمني في الرياض وعدن    الرشيد تعز يعتلي صدارة المجموعة الرابعة بعد فوزه على السد مأرب في دوري الدرجة الثانية    البنك المركزي اليمني يحذّر من التعامل مع "كيو نت" والكيانات الوهمية الأخرى    توتر جديد بين مرتزقة العدوان: اشتباكات مستمرة في حضرموت    مدرسة الإمام علي تحرز المركز الأول في مسابقة القرآن الكريم لطلاب الصف الأول الأساسي    صنعاء.. تشييع جثمان الشهيد يحيى صوفان في مديرية الطيال    لحج.. تخرج الدفعة الأولى من معلمي المعهد العالي للمعلمين بلبعوس.    هيئة التأمينات تعلن صرف نصف معاش للمتقاعدين المدنيين    تعز أبية رغم الإرهاب    صنعاء تحتفل بتوطين زراعة القوقعة لأول مرة في اليمن    المحرّمي يؤكد أهمية الشراكة مع القطاع الخاص لتعزيز الاقتصاد وضمان استقرار الأسواق    3923 خريجاً يؤدون امتحان مزاولة المهنة بصنعاء للعام 2025    صدور كتاب جديد يكشف تحولات اليمن الإقليمية بين التكامل والتبعية    بالفيديو .. وزارة الداخلية تعلن دعمها الكامل لتحركات المجلس الانتقالي وتطالب الرئيس الزبيدي بإعلان دولة الجنوب العربي    الإعلامية مايا العبسي تعلن اعتزال تقديم برنامج "طائر السعيدة"    ميسي يتربّع على قمة رياضيي القرن ال21    استثمار سعودي - أوروبي لتطوير حلول طويلة الأمد لتخزين الطاقة    الأميّة المرورية.. خطر صامت يفتك بالطرق وأرواح الناس    باكستان تبرم صفقة أسلحة ب 4.6 مليار دولار مع قوات حفتر في ليبيا    أرسنال يهزم كريستال بالاس بعد 16 ركلة ترجيح ويتأهل إلى نصف نهائي كأس الرابطة    تركيا تدق ناقوس الخطر.. 15 مليون مدمن    ذا كريدل": اليمن ساحة "حرب باردة" بين الرياض وأبو ظبي    نيجيريا.. قتلى وجرحى بانفجار "عبوة ناسفة" استهدفت جامع    سلامة قلبك يا حاشد    المدير التنفيذي للجمعية اليمنية للإعلام الرياضي بشير سنان يكرم الزملاء المصوّرين الصحفيين الذين شاركوا في تغطية بطولات كبرى أُقيمت في دولة قطر عام 2025    الصحفي المتخصص بالإعلام الاقتصادي نجيب إسماعيل نجيب العدوفي ..    الجزائر تفتتح مشوارها بأمم إفريقيا بفوز ساحق على السودان"    تعود لاكثر من 300 عام : اكتشاف قبور اثرية وتحديد هويتها في ذمار    ضبط محطات غير قانونية لتكرير المشتقات النفطية في الخشعة بحضرموت    الرئيس الزُبيدي يطّلع على سير العمل في مشروع سد حسان بمحافظة أبين    الحديدة تدشن فعاليات جمعة رجب بلقاء موسع يجمع العلماء والقيادات    هيئة الزكاة تدشن برامج صحية واجتماعية جديدة في صعدة    "أهازيج البراعم".. إصدار شعري جديد للأطفال يصدر في صنعاء    دور الهيئة النسائية في ترسيخ قيم "جمعة رجب" وحماية المجتمع من طمس الهوية    تحذير طبي برودة القدمين المستمرة تنذر بأمراض خطيرة    تضامن حضرموت يواجه مساء اليوم النهضة العماني في كأس الخليج للأندية    الفواكه المجففة تمنح الطاقة والدفء في الشتاء    تكريم الفائزات ببطولة الرماية المفتوحة في صنعاء    هيئة المواصفات والمقاييس تحذر من منتج حليب أطفال ملوث ببكتيريا خطرة    تحذيرات طبية من خطورة تجمعات مياه المجاري في عدد من الأحياء بمدينة إب    مرض الفشل الكلوي (33)    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    لملس والعاقل يدشنان مهرجان عدن الدولي للشعوب والتراث    تحرير حضرموت: اللطمة التي أفقدت قوى الاحتلال صوابها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اليمنيون يحفرون قبورهم
نشر في براقش نت يوم 21 - 10 - 2011

بعد 32 عاماً على حكمه- الأطول بين رؤساء اليمن الجمهوري- سيغادر الرئيس علي صالح قصره الرئاسي، ولن يسلم مفاتيحه إلاّ "لأيدي آمنة"؛ وبخلافه فإنه يبدو واثقاً بأن خصومه استنفذوا أقصى وأسوأ ما بوسعهم فعله بمحاولة اغتياله وأركان نظامه بصواريخ متطورة..!
تعتقد العديد من العواصم الغربية أن "صالح" ، الذي يواجه منذ تسعة اشهر ثورة تطالب بتنحيه عن الحكم، ما زال هو الرقم الأصعب في رهانات ربيع الثورات العربية.. فالقادة الأمريكيون كثيرا ما يصفونه بأنه "رجل عنيد"، والبعض الآخر منهم يقول أنه "يتمتع بدهاء، ويحسن قراءة أفكار محاوريه".. إلاّ أن تنصل الولايات المتحدة عن قيادة أي مشروع قرار لدى الأمم المتحدة للضغط على "صالح" يؤكد أنها تواجه مأزقاً حرجاً للغاية في اليمن، وربما تعلمت الدرس من تجربتها في العراق.
يقول الكولونيل "بريجييف ديمنتوف"- خبير العلاقات الدولية بموسكو- "أن صالح قلّما يثق بالمشورات السياسية التي يسديها له القادة الأمريكيين والبريطانيين، وأنه إذا ما اضطر للأخذ بها فهو مناور بارع".. ويعتقد أن ذلك وراء عدم الانهيار السريع لنظامه أمام الاحتجاجات الشعبية، على عكس رفيقه "مبارك" الذي كان يثق كثيراً بالأمريكيين فغدروا به"!
ويروي "ديمنتوف": "أن الولايات المتحدة نصحت "صالح" بعدم مغادرة الرياض ريثما تهيء له الظروف مع معارضيه؛ لكن مخابرات "صالح" وبعد 36 ساعة فقط من ذلك أبلغته أنها ألمت بأطراف خيوط مخطط للإسلاميين للاستحواذ على السلطة، وكانت قوات الجيش المنشقة تتهيأ لتنفيذه يوم احتفال اليمنيين بذكرى ثورتهم على الحكم الملكي.."!
على الرغم من محاولة المعارضين لنظام "صالح" استنساخ الثورة المصرية إلاّ أنهم أغفلوا أن المصريين أطاحوا بمبارك دون أن يطلقوا رصاصة واحدة.. فالوضع اليمني في توجهه نحو محاولة اغتيال الرئيس أو الانقلاب عليه قد يكشف هوية القوى السياسية التقليدية (الاسلاميين، والقبائل) التي استولت على ثورة الشباب ، وأصبحت تجرب نفس أساليبها وادوارها التي لعبتها مع زعماء اليمن السابقين الذين انتهوا أما اغتيالاً داخل قصورهم، أو بالانقلاب.. في عدة خطابات وصف "صالح" حكم اليمن بأنه "رقص على رؤوس الثعابين"!
في يوم إعلان ثورة الشباب في اليمن 3 فبراير، رجحت صحيفة "دير شبيغل" أن النظام اليمني سينهار في غضون شهر، وقالت أنه نظام أرهقته حروبه مع الحوثيين في الشمال، وانتفاضة الجنوبيين المطالبين منذ ثلاث سنوات بالاستقلال، وأزمات اقتصادية وأمنية حادة.. لكن بعد بضعة أسابيع اعترفت محررة ديرشبيغل "مارا ك. ج.": "أن صالح لا يكسب مواجهاته مع معارضيه دائماً بدهائه، بل بغبائهم أيضاً".. وجاء اعترافها في سياق حديثها عن انضمام أحزاب ورموز فاسدة لثورة الشباب، حيث قالت أنهم "أفقدوا ثورة الشباب عذريتها".
فخلافاً لثورة الشباب المصري التي لم يعرف لها وجوه زعامية، فإن ثورة شباب اليمن تحولت بسرعة الى لوحة دعائية للزعامات القبلية والحزبية والدينية والعسكرية، التي تكاد تكون مستهلكة لأبعد حدود- كما هو الحال مع نجل كبير زعماء قبائل اليمن الشيخ حميد الأحمر، الذي منحه أبوه الذي كان رئيس البرلمان امتياز احتكار بيع النفط اليمني منذ أكثر من عشرين عاماً. وتقدر ثروته بأكثر من 84 مليار دولار، بحسب تقرير للفايننشال تايمز في يونيو الماضي. والذي أشار الى أن نجل الرئيس اليمني سعى لدى البرلمان لالغاء الاحتكار وطرح حصص النفط للمناقصات، وهو ما أغضب الأحمر.
شهد يوم 18 مارس مجزرة مروعة في ساعة الثوار بصنعاء، قتل فيها أكثر من 50 شاباً، وحينها بدأ النظام يترنح ويشارف على الانهيار جراء موجة الاستقالات لكبار المسئولين والشخصيات المؤثرة، وغليان الغضب الشعبي في كل أنحاء اليمن، وكذلك في الخارج... لكن ما الذي منع انهيار النظام؟ ومنْ كبل شباب الثورة من الهيجان في الشوارع والاجهاز على النظام..؟ ألا يبدو أن في الأمر سراً أو معجزة!!
لقد دفع "صالح" باكبر الرموز الفاسدة في نظامه- قائد فرقة مدرعات لواء علي محسن صالح الأحمر، ويقال أنه أخ غير شقيق للرئيس- دفع به الى ساحة معارضيه، رغم علمه أنه ذراع الاسلاميين، وأنهم لم يدرجوا اسمه في قائمة أركان النظام المطلوبين للمحاكمة، وأنه محتمل جداً ينضم لصفوف الثوار ولو من باب الهروب للأمام لحماية نفسه.. هذا هو دهاء "صالح" الذي حصد منه الآتي:
فالقائد "محسن" تكفل في الحال تطويق الساحات بقواته ومنع الشباب من تفجير الفوضى وارباك النظام، كما انشغلت المعارضة بالحديث والاحتفال بانضمام "محسن" وليس الضحايا فخف الغليان، ثم تسبب ذلك بشروخ في صفوف قوى الثورة التي تتهم محسن بسبب معاناتهم أمثال الحوثيين والجنوبيين، كما أنه خلط أوراق الثورة السلمية بجرفها نحو العنف المسلح مما أكسب صالح قلق المجتمع الدولي خاصة مع ارتباط اسم "محسن" بالجماعات الاسلامية المتشددة..
وأستطيع أن أصف ما حدث يوم المجزرة من انسحابات بأن "صالح" رمى بقمامة نظامه إلى الشارع فتلاقفتها المعارضة دونما تفكير بأنها ستدنس الثورة وتزجها في مأزق حرج.. لهذا كانت "مارا ك. ج." على حق عندما قالت: "أن صالح لا يكسب مواجهاته مع معارضيه دائماً بدهائه، بل بغبائهم أيضاً"..!!
كما كان ظهور الشيخ عبد المجيد الزنداني- المطلوب للولايات المتحدة بتهمة تجنيد وتمويل الارهابيين- وأنصاره في ساحة الثوار بصنعاء ، وتوليه إمامة المحتجين في الصلاة، والقاء المحاضرات، مؤشراً خطيراً لتماهي هوية ثورة الشباب التي تقف على النقيض من الزنداني بمطالبها بدولة مدنية.. أعتقد أن يوم 18 مارس كان قدراً إلهياً لنصرة ثورة الشباب، لكن عوضاً عن ذلك أعلن موتها..!
بمفهوم سياسي، أن ثورة الشباب في اليمن انتهت عشية دخول قوات فرقة الجيش المنشقة وفصائل القبائل والاسلاميين المسلحة إلى ساحة الاحتجاجات، لتبدا حركة تمرد مختلفة بكل تفاصيلها.. لذلك فإن من المتوقع جداً أن تتجه القوى الثورية الشبابية في اليمن إلى التفكير بتفجير ثورة تصحيحية مزدوجة الأهداف: ضد التمرد المعارض، والنظام الحاكم في آن واحد؛ إلاّ أن ذلك لن يكون سهلاً، فالاسلاميون لن يسمحوا بإضاعة فرصة الحكم التاريخية من أيديهم مهما كلفهم الأمر من إراقة دماء..
ويؤيدني الكولونيل "ديمنيوف" بشأن انتهاء ثورة الشباب، حيث يقول: "الإسلاميون أقاموا حركة تمردهم على أنقاض ثورة الشباب، وقد بدأ التركيز في المرحلة هذه على أمرين: احداث فراغ أمني في الدولة باحتلال المعسكرات ونشر السلاح لتأجيج تمرد الشارع؛ وثانياً احداث فراغ مؤسسي باحتلال المقرات الحكومية او تدميرها.. ويعتقد أن ذلك من صميم نهج فكر حركات الجهاد الاسلامي التي ترفض مبدأ الدولة المدنية- بحسب تقريره الذي استعرضه يوم 10 أكتوبر في لقاء ستوكهولم حول "الثورات العربية ومستقبل الشرق الأوسط".
تضم حركة التحالف الاسلامي: حزب الأخوان المسلمين، وتنظيم الشيخ الزنداني السلفي المتشدد، وفصائل القبائل التي تتزعمها قيادات الأخوان أيضاً، ثم فرقة الجيش المنشقة ومعظم قادتها سلفيون.. إذن فهو يمثل قوة بشرية هائلة، وقوة مسلحة ضاربة، وقوة مادية بفعل كبار الأثرياء. لكن الأهم أنه يمثل قوة فكرية دينية متشددة واسعة النطاق.. ولعل اكتشاف هذه الحقيقية اليوم يحل الكثير من الألغاز حول الصعوبة التي تواجهها الولايات المتحدة وحلفائها في اجتثاث تنظيم القاعدة من اليمن، أو ربما هي السرّ الذي كانت تخفيه الولايات المتحدة حول قلقها المتزايد من تحول اليمن إلى أفغانستان جديدة إذا ما فقدت السلطة المركزية سيطرتها على الفوضى. وقد كان مؤشر ذلك واضحاً في شراسة المعارك الأخيرة التي شهدتها "أبين" الجنوبية ومنطقة "أرحب" شمالي العاصمة صنعاء.
إن ما يفاقم خطورة المستقبل السياسي اليمني هو أن التحالف الإسلامي "السنّي" غالباً ما كان موضع استفزاز ونفور لاعبين سياسيين قويين في ساحة اليمن: الأول هو حركة الحوثيين "الشيعية" في أقصى الشمال، فهم يتهمون القائد العسكري "علي محسن" وأطراف أخرى في التحالف بشن الحروب على مدنهم وتدميرها وارتكاب جرائم إبادة جماعية بدعم من النظام والمملكة العربية السعودية. وهم ما زالوا في خصومة ومواجهات مسلحة مع أطراف التحالف، وهناك الكثير من التصعيد على طريق الفتنة المذهبية.
في لقاء ستوكهولم، رجحت الأغلبية من الخبراء والمحللين انفجار حرب أهلية مذهبية عنيفة بين التحالف "السني" والحوثيين "الشيعة". وليس بالضرورة على خلفية الصراع على تقاسم السلطة في اليمن، وإنما قد يحدث ذلك وفق حسابات الصراع السعودي- الإيراني، والقلق السعودي المتنامي من تأثر مناطقها ذات الاغلبية الشيعية المحاذية لمناطق الحوثيين ب"العنف الثوري".
أما اللاعب السياسي الثاني، فهم "الجنوبيون" الذين تخلوا عن دولتهم الاشتراكية عام 1990م من أجل التوحد مع دولة الشمال.. فهم يكافحون منذ أربع سنوات من أجل استعادة استقلال الجنوب، ويحملون بغضاً كبيراً لجميع أطراف التحالف الاسلامي بسبب فتاوى تكفير دينية أصدروها خلال حرب 1994م واتهامات بنهب الجنوب وتشريدهم واقصائهم من الوظائف. حيث تحالف الاسلاميون مع نظام "صالح" في الحرب، وكافأهم الأخير باشراكهم في حكومة ائتلاف مع حزبه.
تعتقد الدكتورة "سارة يوحنا"- وهي خبيرة عربية في مجال النزاعات الدولية: أن اليمن في طريقها للتمزق ، "ولكن ليس قبل أن تتصادم قواها السياسية والقبلية في حرب أهلية عنيفة بسبب تقاطع المصالح، وعدم وجود أي مشروع سياسي للمعارضين قبل مغادرة صالح الحكم".
وتقول: سيعلن الجنوبيون الانفصال حال انهيار نظام صالح، وسيجدون تعاطفاً غربياً خاصة من لندن.. فهناك مسئولين بريطانيين كانوا قد بدأوا بحث موضوع الاستفتاء على الانفصال مع بعض خبراء المنازعات الدولية، قبل أن تشتعل الثورة وتخطف الأضواء. لكن الإسلاميين مستعدون لخوض حرب لمنع ذلك، ليس تمسكاً بمبدأ الوحدة، وإنما لأن ذلك يفقدهم معظم ثروات النفط وعائدات الموانيء والتجارة، ويتسبب بعزلة شبه تامة للشمال. فمعظم كبار التجار هم من القادة الإسلاميين وسيدافعون عن مصالحهم.
أما بشأن "الحوثيين" ، تعتقد "سارة يوحنا"، أن السعودية لن تسمح بأي توافق سياسي يمنح الحوثيين نفوذاً سياسياً قرب حدودها، فهي لا تريد أن تكون محاصرة بالشيعة، فكلا شيعة اليمن والبحرين على تماس مع شيعة المنطقة الشرقية لديها الذين يخوضون منذ أكثر من عام حركة احتجاجات أيضاً تدعو لملكية دستورية. علاوة على أن شريط حدودي سعودي طويل يقع على التماس من شيعة العراق.
إن المأزق السياسي لا يكمن في مدى قدرة النظام على البقاء، فنظام صالح في عداد المنتهي، لكن خطورته تكمن في فشل الأطراف المعارضة في بلورة مشروع سياسي بديل، وفي الاتفاق على أي فكرة محددة، باستثناء إسقاط النظام.. وعندما ندرك أن هذه القوى تمتلك ترسانات حربية، وتؤمن بخيار العنف كوسيلة لبلوغ أهدافها، وجميعها قد خاضت أيضاً حروباً واكتسبت خبرات قتالية عالية، فإن أي فراغ مفاجئ يخلفه تنحي الرئيس "صالح" سيفجر الصراعات، وسيقود اليمنيين إلى حفر قبورهم بأيديهم- وهذا هو ما أتوقع حدوثه عاجلاً أم آجلاً..!
الشكوك نفسها تقريباً ساورت قادة دول الخليج العربي الذين يقدرون مدى انعكاس أوضاع اليمن على بلدانهم. فتبنت هذه الدول مشروعاً للتسوية السياسية بين السلطة والمعارضة لضمان انتقال السلطة سلمياً عبر انتخابات رئاسية مبكرة، يسبقها تشكيل حكومة ائتلافية بالتناصف، وتقديم الرئيس استقالته واعفائه وأركان نظامه من المساءلة. وبدت تلك المقترحات موضع قبول جميع الأطراف والولايات المتحدة أيضاً التي تبحث عن أي مخرج للنفاذ من مأزقها الحرج في اليمن.
لكن في الحقيقة كان ذلك هو الموقف ظاهرياً، فالنظام لديه شكوك كبيرة بان المعارضة لن تفي بالتزاماتها وستتنصل بمجرد استقالة الرئيس، لذلك فوض نائبه للتوقيع على اتفاقية التسوية الخليجية، وهو ما استغلته المعارضة لتصعيد الموقف والاصرار على توقيعه شخصياً.
اعتقد أن هناك عدة أسباب تدعم شكوك "صالح"، فالمعارضة حتى بعد مرور تسعة أشهر فشلت في تشكيل قيادة موحدة، كما أن مجلس القيادة الذي شكله الإسلاميون برئاسة "محمد باسندوة" قوبل بالرفض من الجنوبيين والحوثيين ومعظم الأعضاء الذين ضمهم المجلس. وبدى أن الاسلاميين كانوا يتصرفون بمفردهم دون مشورة أحد. إذن المعارضة تواجه مشكلة اجماع على قيادة، فكيف الحال مع مرشحها الرئاسي!؟
كما أن القبول بتهيئة الأجواء للانتخابات الرئاسية يعني إزالة جميع مظاهر الاحتجاجات والاعتصامات في الشوارع وسحب مسلحي جميع الأطراف الحكومية والمعارضة. غير أن المعارضون يعتقدون أن رفع الاعتصامات يعني انتهاء الثورة، وأن الأمر كان مجرد أزمة سياسية. كما أن الانتخابات قد تكشف للرأي العام أن مع حزب الرئيس "صالح" قاعدة شعبية- ربما جيدة أو لا بأس بها، خلافاً للوضع في تونس ومصر وليبيا. وهم لا يريدون أن يشذون عن المشهد العام للثورات العربية.
بعض المحللين اليمنيين يقولون أن الأزمة اليمنية كانت أمامها حلول سياسية كثيرة، وفي أكثر من محاولة كاد طرفي السلطة والمعارضة أن يوقعوا اتفاق تسوية، لكن يتم عرقلة ذلك من قبل الزعيم القبلي الملياردير "حميد الأحمر" الذي يمول الاحتجاجات من ثروته الطائلة. وبجانبه أيضاً قائد الفرقة المدرعة المنشقة "علي محسن". ويقولون ان لدى الاثنين نزعة للانتقام من الرئيس وأسرته بسبب خلاف على مصالح شخصية.
ويعتقد المحللون اليمنيون أن "صالح" لم يستنفذ بعد أوراق اللعبة، ولن يسمح لأحد بإذلاله طالما لديه أنصار، وطالما ونجله وأقربائه ما زالوا يمسكون بقوة بجميع المؤسسات العسكرية والأمنية التي تضم قوات ضاربة بوسعها سحق جميع الفصائل المسلحة في زمن قياسي إلاّ أن ذلك سيكلف اليمنيين دماءً غزيرة، وسيبقى آخر أوراق النظام.
كما أن المعارضة قدمت خدمة مجانية ل"صالح" بحملاتها التحريضية الواسعة على الضربات الجوية التي توجهها طائرات الولايات المتحدة لمجاميع القاعدة. ف"صالح" مطمئن أن أحداً لن يجرؤ على المغامرة بتدخل عسكري في بلده لأن ذلك لن يواجه فقط بمقاومة شعبية، وإنما قد يقلب الطاولة على خصومه ويفوز بتعاطف كبير يعيده الى صدارة الخيار الشعبي.
تتمالكني دهشة عظيمة وأنا أسمع فضائيات العالم تتحدث عن ثورة في اليمن يقودها زعيم قبلي يدعى "حميد الأحمر" تصل ثروته إلى 84 مليار دولار في بلد اجمالي ميزانية الدولة ستة مليارات فقط.. وبجانبه قائد عسكري "علي محسن" يقر المحتجون أنفسهم بأنه مجرم حرب وأكبر رموز النظام الفاسدة ويتاجر بالمجاهدين.. وثالثهم زعيم ديني متطرف "عبد المجيد الزنداني" متهم بصناعة الارهاب، وأعلن من ساحة الثورة أنه زمن قيام الخلافة الاسلامية... وتتعاظم دهشتي عندما أسمع بعض اليمنيين يسمونها (ثورة شباب)، ويصرون أن هذه الرموز هي من سيقودهم إلى الدولة المدنية، وليس إلى حفر قبورهم بأيديهم..!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.