إذا رغبت في قراءة الاتجاهات السياسية لأي بلد كبير فليس عليك سوى رصد الإنتاج السينمائي لذلك البلد وتقديم أو تشكيل رؤيتك للاتجاهات العامة للسياسة الخارجية والداخلية في ضوء ما تضخه السينما. هكذا تجري الأمور سيما ونحن ندرك أنه لم تعد ثمة فروق كبيرة بين السياسي وبطل السينما، فكلاهما ممثل، وكلاهما يكذب، وحين تستدعي الحاجة فإن أحدهما لا يتردد في تقديم تنازلات في سبيل الفن والمستقبل السياسي.. وإذا أخذنا السينما الأمريكية كشاهد على هذا الطرح انطلاقاً من قراءتنا لما تنتجه هوليود عاصمة السينما سنجد أن هوليود مرت منذ الثمانينيات مثلاً بعدد من المراحل كانت جلها انعكاسات لما ينتجه البيت الأبيض من سياسات وما تلتزم به الدوائر التنفيذية بدءاً بالسي أي إيه وانتهاء بالبنتاجون مروراً بالملحقات والمخازن الاحتياطية لدى الأصدقاء، فقد كانت هوليود لسنوات خلت تنتج أفلاماً ومسلسلات تنتقد من خلالها سياسات أمريكية خاطئة وحماقات ارتكبت هنا وهناك قديماً أو حديثاً، وأخذت الأخطاء الأمريكية في فيتنام واليابان والشرق الأوسط وعدد من دول القارة الأفريقية حجمها من النقد والتقريع واللوم حتى هبط على المسرح السياسي شخصية فنية وحكم البيت الأبيض ممثل فاشل هو الرئيس رونالد ريجان الذي جمع بين السياسي والفني وأدار البيت الأبيض بعقلية راعي البقر، وفي عهده أنتجت هوليوود الكثير من الأعمال الخاصة ب(الكابوي) إلى جانب أفلام مكرسة لنقد الاشتراكية بالطبع، باعتباره أشد الرؤساء الأمريكان كراهية للاشتراكية، وكان ريجان يقول إن الفكر الاشتراكي أقرب إلى أي فكر يمكن أن يصدر عن أي حديقة حيوانات أو محمية طبيعية، وهذا ما جعل الروس يجربون عليه أحدث تقليعاتهم في جرائم الاغتيالات السياسية حين أصابوه بعاهة دائمة بواسطة إشعاعات تصدر عن البرق.. خلال ذلك أنتجت هوليوود عشرات الأفلام المكرسة لتسفيه حكام موسكو مع إنتاج مضاعف للكابوي بالطبع. وجاء من بعده جيمي كارتر، وهو تاجر بطاط اقتنع بأن الفكر الديني أحق بالعداء وأجدر بالطبخ على الطريقة الأمريكية فغير بوصلته بهذا الاتجاه وأرسل (رامبو) إلى طهران لتأديب مجموعة الفقهاء المشاكسين هناك، مصحوباً بزخة أفلام تتحدث عن الجنة والنار، والرجل الديني كما أسماه، وكلاهما أخفقا في طهران، السياسي والفني، وشهدت هوليوود تغييراً جديداً في الإنتاج الفني بمجرد وصول بيل كلينتون إلى ردهات البيت الأبيض، وظهور تلك التقليعة الجديدة التي جعلت من الحب نمطاً أمريكياً أهم من السياسة والاقتصاد والعسكرة، وصدّرت هوليوود وملحقاتها الأفلام الإباحية والمتحررة (جداً) إلى العالم، وحين كانت المتدربة الشابة (مونيكا) ترقص عارية في مكتب الرئيس كانت الجهات المعنية قد دعمت أفلام الإباحة الصادرة للعالم الثالث بنحو عشرة مليارات دولار. ثم هبطت على البيت الأبيض أسرة ثرية ومجنونة هي عائلة بوش التي سلمت هوليوود لمستثمرين يهود ليغدقوها بكل أشكال الإساءات للبشرية ومعتقداتها الدينية من غزاة الفضاء إلى مصاصي الدماء، بينما تفرغت عائلة بوش (الأب) والابن لإنتاج سينمائي خاص يصنعون من خلاله أفلاماً على الواقع، وغزوات على الأرض تستهدف البشر والعقيدة تحت شعار محاربة الإرهاب.. وهكذا كانت هوليوود تنتج أفلام مصاصي الدماء، بينما الإدارة الأمريكية تمتص في الشعوب الدماء والنفط والتاريخ والجغرافيا. عذراً كدت أنسى الرئيس أوباما.. حسنا ً لا بأس إنه كالرئيس هادي لا لون له ولا رائحة.