يصيبك الحزن والهم، لو أن أياديك البيضاء ممدودة في كل الأفواه، ويذكرون يدك بالخير حين تمدها إليهم، أما إذا مرضت أو فقدت عزيزا لا أحد منهم يواسيك بكلمة طيبة، وليس بمد اليد إليك كما كنت وما زلت تفعل. هذا الموقف محزن، ويجعلك تعيد حساباتك مع هؤلاء النفعيين. يحدث هذا على مستوى الأفراد، وينسحب أيضا على مستوى الدول. وفي هذه الأيام أصبنا بفاجعتين (حربنا في الجنوب، وكارثة مدينة جدة)، ومع ذلك تنتظر الكلمة الطيبة، تبحث فقط عن كلمة عزاء أو رسالة لجبر الخواطر فلا تجد أحدا من أولئك الذين امتدت يدنا إليهم في ملماتهم الصعبة. وفي هذا ليس خطأ أن تكون متقدما الصفوف في إغاثة المنكوبين على وجه الأرض، وليس في فعلنا هذا منة، ولكن مع كل الصفات النبيلة التي يمكن أن تتصف بها، فأنت في النهاية إنسان تريد من الآخرين مبادلتك أحزانك قبل أفراحك. وتغيب أصوات مجتمعة عن مواساتنا في مأساتنا التي نعيشها من فقد أحبة مرة في محاربة الإرهاب ومرة في معتدين وثالثة في موت جماعي لأبرياء جرفهم السيل، كل هذه الأحزان ولا تجد من يقول لك أحسن الله عزاك أو قلوبنا معكم، تشعر عندها أنك زرعت في أرض مالحة. وهذا مؤلم بحق ولا يحتاج لمداراة وإنما بحاجة لمراجعة الأولويات وتحديد أين نقف بالضبط. والمحزن أيضا أن كارثة جدة انطلقت أصوات متحجرة القلب والرحمة حين وصفت هذه الكارثة بأنها دليل فساد، وأن ما حدث ما هو إلا عقاب أنزله الله على المتضررين. للأسف هذه الأصوات هي أصوات بعضنا، انطلقت من حناجرهم، ومن على منابرنا، وفي مجالسنا من غير أن تراعي حالة المتضررين أو تواسيهم، بل أصروا على أن ما حدث ما هو إلا عقاب، وبعضهم يتوعد جدة بالخسف الكامل (هكذا وبكل قلة أدب أو مراعاة لحالة أهل جدة، وكأنهم عبدة بوذا، وليس بلدا يرفع فيه الأذان خمس مرات، وبه العباد والمستغفرون في الأسحار والمحسنون)، ولم يختاروا من وصف لهذه الكارثة سوى اتهام أهل جدة بأن ما يحدث في مدينتهم ما هو إلا عقوبة، بينما كان باستطاعتهم اختيار لفظة ابتلاء وامتحان لتثبيت الإيمان، لا لم يختاروا هذه الصفة، بل اختاروا الصفة الأخرى وهي أن هذا المجتمع من غيرهم هو مجتمع فاسد فاسق مصيره الخسف وما هذه إلا مقدمات لعذاب أعم وأشمل. هل رأيتم الصورة الآن .. صدفة تم التقاطها (هكذا) من الداخل والخارج. وحسبنا الله ونعم الوكيل.