تبرز التباينات السياسية تجاه المشهد اليمني الراهن من منطلقين، يرى البعض في الأول منهما اتجاه طبيعي في أطار الاختلاف البناء إزاء سير عملية التحول السياسي، بينما لا يرى البعض الآخرإن ما يعتمل على أرضية الواقع الراهن ينبع من بواعث محاولات إحباط ممنهج لمجمل هذه العملية تحت يافطات متعددة. وأياً كانت بواعث هذه المنطلقات فإن ثمة مشكلات حقيقية تعتري تفاصيل المشهد وترتب عليه أعباءً إضافية، لعل أخطر تجنحاتها وتأثيراتها السلبية إهدار المزيد من الوقت لعرقلة هذا التحول.. وبالتالي إعطاء فرصة للانزلاق في أتون صراعات لا يحمد عقباها ستؤدي – بالنتيجة – إلى إعادة استنساخ التجارب المريرة والكارثية التي تعيشها بعض أقطار ثورات الربيع العربي كليبيا التي ما تزال غارقة في هذه المتاهة حتى أرنبة أذنيها. في تصوري المتواضع فإن ثمة فرصة لا تزال سانحة أمام مختلف القوى السياسية على الساحة الوطنية لأن تعيد مراجعة مواقفها وسياساتها تجاه مجمل الاستحقاقات الوطنية.. وهو ما يتطلب منها حشد الجهود في اتجاه المصالحة التي يجري الترتيب لها بتوافق الأطراف عليها خلال الفترة القادمة وبحيث تكون هذه الصيغة إطاراً لمحاصرة تلك التباينات ووضع برنامج عمل لما تبقى من الفترة الانتقالية يحافظ على صدقية الشراكة بين مختلف الأفرقاء والمكونات، فضلاً عن المسؤولية في إزالة العوالق التي لحقت بالتجربة جراء هذه الاختلافات التي لا يمكن وصفها إلا في كونها حالة عبثية وكارثية بالنسبة لليمنيين جميعاً. وبالطبع، لا يستطيع أحد أن يقرر ما إذا كانت هذه الدعوة التي أطلقها مجلس النواب منذ أسابيع للمصالحة وطي صفحة الماضي بين هذه المكونات سوف تلقى الاستجابة البناءة من عدمها غير أن المسؤولية الوطنية تقتضي من هذه النخب التجاوب مع هذه الدعوة والتعامل معها باعتبارها الفرصة الأخيرة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. إن التساؤل المطروح تجاه حقيقة هذا التجاوب مرهونبمدى جدية هذه النخب في الارتقاء بمستوى أدائها وسط هذه المناخات الملبدة بغيوم المشكلات ؟ وعما إذا كانت ستبقى حبيسةالحسابات الضيقة وغير المطابقة للواقع إن لم تكن غير صحيحة جملة وتفصيلاً، تغذيها – مع الأسف الشديد – أطروحات التشدد داخل هذه المكونات التي يفترض أن تغادر هذه الزوايا الضيقة إلى فضاءات رحبة تتسع للجميع. ومع كل ذلك لا يزال الكثير يعوّل على العقلاء في مختلف مواقع العمل السياسي والحزبي من انتشال التجربة والوطن على حد سواء من هذا المأزق الخطير.