عندما قال أرسطو: الإنسان حيوان سياسي، فهم العالم أن السياسية ميزة بشرية، وأنها "السياسة" تعني فن إدارة شئون الإنسان. في المقابل، لم يكن العرب، من قبل أرسطو وبعده، يفهمون شيئاً عن السياسة غير كونها تعني فن إدارة شئون الحيوان. كان هناك سائس يعتني بشئون الخيل، وراعٍ يتدبر أمور الإبل.. كانوا جماعات من البدو الرحّل، لم يعرفوا الدولة، حتى يعرفوا السياسة بمعناها الحضري. لاحقاً، عندما أصبحت لهم دولة، عمموا العلاقات الرعوية البدائية لسياسة الحيوان على شئون البشر.. لكن دون أن تتأثر كثيراً التصورات النمطية لإدارة المصالح، بهذه النقلة الهائلة من عالم الحيوان إلى عالم الإنسان!. أصبح السائس سياسياً، وتم إسقاط مصطلحات ومفاهيم علاقة الراعي برعيته، على العلاقة السياسية بين الحاكم والمحكومين.. خلط قديم فادح بين الإنسان والحيوان، في الوعي والممارسة السياسية، استمر يؤبد نفسه حتى الوقت الحاضر، ما يفسر كل هذه البدائية والعفونة والعنف في الحياة السياسية العربية الراهنة. السياسة العربية في زمن الحضارة ظلت امتداداً طبيعياً للسياسة العربية في زمن الحظيرة.. الحاكم العربي يتعامل مع أتباعه أو شعبه في بلده، كما كان يتعامل سلفه الأول مع حيوانات اسطبله، وبنفس الرفق أو العنف ووسائل الترهيب والترغيب.. الحاكم العربي مواطن عربي أصلاً، خرج من بين صفوف الجماهير العربية، كتمثيل أمين للثقافة التقليدية الراسخة بعمق المجتمع، وعرض الجغرافيا وطول التاريخ العريق..