بغض النظر عمَّا يمكن قوله عن مدى ملاءمة ما حدث وشرعيته، فإن المرحلة لا تحتمل مراوحة الأزمة في قاعات الموفنبيك حتى يرضى محمد قحطان أو يوفق المشترك بين رؤى أعضائه. ما حدث بالأمس هو ما تم رسمه من قبل، حين فوض بنعمر بتحديد حصص القوى السياسية في مؤتمر الحوار الوطني الذي أريد له حينها أن يتكون من غالبية موالية للرئيس هادي، ويتحول بعدها إلى جمعية تأسيسية تحل محل السلطة التشريعية، ولم ينجح المشروع بسبب مفاجأة اللجنة العامة للمؤتمر الشعبي للجميع بنشر قائمة ممثلي المؤتمر، دون الرجوع إلى الأمين العام ونواب رئيس المؤتمر. الفارق في ما كان يُراد وبين ما وقع هو استبدال اللاعبين القدامى- واعتزال بعضهم- بلاعبين جدد، وأن القرار جاء هذه المرة من الداخل، وتحت سطوة الثورية بدلاً من سطوة العرقلة والسيف الأممي. أما الشرعية فقد تم القفز عليها حين رُفضت الانتخابات المبكرة عام 2011م واستُعيض عنها بما هو أقل من الاستفتاء على رئيس انتقالي، واستبدل الدستور باتفاقية التسوية السياسية التي جمدت الغالبية النيابية ومنحت الرئيس الانتقالي سلطة القرار الأخير في السلطتين التنفيذية والتشريعية. ليس من حق المجتمعين في القصر الرئاسي دستورياً حل المجلس التشريعي. نعم، ولكن المجلس النيابي لا يتمتع بصلاحياته الدستورية، منذ أربع سنوات، والذين يتحدثون عن الشرعية الدستورية اليوم هم الذين ذهبوا للتفاوض والجدل البيزنطي بين يدي بنعمر في قاعات الموفنبيك ولم يحتكموا للشرعية الدستورية. لم يجتمع مجلس النواب للبتِّ في قرار استقالة رئيس الجمهورية، باعتباره صاحب الصفة الدستورية في حسم المسألة، والتحجُّج بأن اللجان الثورية لم تكن لتقبل بالأمر لا يبرر عدم قيام المؤسسة التشريعية بمهامها الدستورية. اللجان الثورية كانت آخر المتجاوزين للشرعية الدستورية، البرلمان تجاوزها وجمَّد نفسه منذ 2011، والقوى السياسية تجاوزتها برفض الانتخابات المبكرة وإحلال التسوية السياسية محل الدستور، وفوقه أيضاً وكم كان مخجلاً إسكات النائب عبده بشر عندما حاول تذكير الجميع بالدستور في حفلة بكاء باسندوة التي افتتح بها مهامه كرئيس لحكومة وفاق قراقوشية لم تلتزم بالدستور حتى في تقديم استقالتها بعد ثلاث سنوات من الفساد القياسي إن لم يكن من الجنون المحض. لنسمي ما حدث بالأمس اختراقاً للأعراف الدستورية، لكنه ليس شذوذاً على قواعد إدارة العملية السياسية في اليمن، باستثناء أنه إرادة داخلية محضة لا تعتمد على ترغيب إقليمي أو ترهيب أممي. بالنسبة لي ربما كان الرجوع إلى دستور دولة الوحدة سيخفف كثيراً حدة التناقضات بين الإعلان الثوري والنص الدستوري، وآمل أن تحترم اللجان الثورية منظومة الحقوق والحريات التي تعهدت بحمايتها في البيان الثوري.