تفرد صحيفة "كريستيان ساينس مونيتور" الأميركية تقريراً مطولاً تحت عنوان "الكتاب الإلكتروني، القارئ الالكتروني، ومستقبل القراءة" - وفيه تخصص حديثاً متنوعاً عبر عدّة محاور عن المستقبل الذي بات ينتظر القراءة وسط ما يكتنف المسألة من تحديات، في ظل التطور الحاصل على المستوى التكنولوجي. فتقول إنه في الوقت الذي يبدو فيه مستقبل القراءة مستقبلا ً رقميا ً، إلا أن تساؤلا ً غاية في الأهمية يبقى مطروحاً بلا جواب حتى الآن؛ وهو :" هل سيغير القارئ الالكتروني والكتاب الالكتروني من طبيعة الطريقة التي نقرأ من خلالها النصوص ؟". في البداية، تلفت الصحيفة إلى التقنية الجديدة التي أدخلتها إحدى المدارس الأميركية أخيرا ً على مكتبتها الخاصة، بعد أن باتت أول مدرسة أميركية تقوم برقمنة جميع ما لديها من كتب، لتُسهل على طلابها تحميل ما يحلو لهم من كتب عندما يرغبون في القراءة. وحول هذا السياق، تلفت الصحيفة إلى ما قالته والدة أحد الطلاب الدارسين هناك، بعد أن أكدت على الدور الكبير الذي لعبته تلك التقنية في تغيير وجهة نظر ابنها تجاه القراءة، ونقلت عنها قولها :" لقد انبهرنا في واقع الأمر بعد أن اتخذت المدرسة تلك الخطوة . فتحويل الكتب إلى رقمية، خطوة ساهمت في اتساع اهتمامات ابني بالقراءة، ذلك لأن الكتب التي باتت متاحة أمامه لم تعد محدودة بما يمكن الاكتفاء بوضعه في المساحة المادية لمكتبة المدرسة". وفي حديث سابق له مع صحيفة بوسطن غلوب الأميركية في شهر سبتمبر/ أيلول الماضي، قال جيمس تراسي، مدير تلك المدرسة التي تُعرف باسم "كاشينغ أكاديمي"، قوله :" عندما أنظر إلى الكتب، أرى تكنولوجيا عفا عليها الزمن، مثل عصر المخطوطات الذي سبق عصر الكتب". وفي ردّ فعل غاضب على تلك التصريحات، ورد سيل من التعليقات اللاذعة من جانب القراء المولعين ب "رائحة الحبر والورق" على الموقع الإلكتروني الخاص بصحيفة بوسطن غلوب، قائلين إن المخطط الذي أقدمت على تنفيذه مدرسة "كاشينغ" كان شكلا ً غريبا ً – بل هتلريا ً – من أشكال إحراق الكتب. وتلفت ساينس مونيتور في هذا الشأن إلى ما قاله معلق، لم يكشف عن هويته، على الموقع الشهير ParentDish .com :" لم يسبق في تاريخ الإنسانية أن قام أحد بقراءة كتاب على جهاز كمبيوتر. فالتقنية الجديدة هذه تُفقِدك التفاعل مع الصفحة الورقية. وكم أشعر بالأسف لكل من ستفوته منكم المتعة الخاصة بقلب صفحات أحد الكتب الورقية". بعدها، تمضي الصحيفة لتقول إن موجات الغضب التي أثيرت في أعقاب القرار الذي اتخذته المدرسة برقمنة مكتبتها الورقية، بعد أن رفض مسؤولوها التحدث إلى الصحيفة، هو بداية لما سيحدث كواقع مستقبلي جديد لأشكال القراءة. وتضيف الصحيفة أنه يُنظر إلى العام 2010 على نطاق واسع على اعتبار أنه نقطة تحول، عندما يبدأ الكتاب الإلكتروني في إحلال محل المخطوطات الورقية البالية. كما تؤكد الصحيفة على أن عدد النصوص الإلكترونية يشهد تطورا ً سريعا ً بشكل مذهل، الأمر الذي سيؤول إلى تغيير الطريقة التي نتفاعل من خلالها مع الكلمة المكتوبة. ومع تطور التكنولوجيا الحاسوبية، تشير الصحيفة إلى حدوث تواكب مماثل لهذا التطور بالنسبة لكتب القراءة الإلكترونية، التي تحولت نتيجة لذلك إلى إكسسوارات رائجة ومرغوب فيها. ومن المنتظر، بحلول عام 2010، أن يكون بمقدور المستهلكون الأميركيون الاختيار ما بين مجموعة من أجهزة القراءة الإلكترونية البلاستيكية، منها نماذج من شركة أمازون، وبارنيز آند نوبل، وبلاستيك لوجيك؛ بالإضافة للمنتج الذي تستعد أبل لطرحه. وتلفت الصحيفة كذلك للتوقعات التي كشفت من خلالها شركة "فوريستر ريسيرش" – المتخصصة في أبحاث السوق – عن أن مبيعات أجهزة القراءة الإلكترونية الأميركية ستزداد في عام 2010 من 2 إلى 3 مليون وحدة. وبحسب النتائج التي آلت إليها شركة "كوديكس غروب" – المتخصصة في تحليل صناعة النشر – فإن 13 % من الأميركيين البالغين الذين قاموا بشراء كتاباً واحداً على الأقل خلال العام المنصرم، يمتلكون قارئا ً إلكترونيا ً، أو يخططون لامتلاك واحداً العام المقبل. وفي هذا الشأن، تنقل الصحيفة عن ستيف هابر، رئيس قسم القراءة الرقمية في شركة سوني للالكترونيات، قوله :" تلك هي البداية لحقبة جديدة". ومع هذا، تشير الصحيفة إلى أن مبيعات الكتب الإلكترونية مازالت تمثل جزءً ضئيلا ً من صناعة النشر - بنسبة قدرها 1.4 % فقط من إجمالي مبيعات الكتب التي بلغت قيمتها الإجمالية 10.9 مليار دولار في التسعة أشهر الأولى من هذا العام، بحسب رابطة الناشرين الأميركيين. لكن ليس من غير المستبعد – بحسب هابر – أن تهيمن الكتب الإلكترونية على مبيعات صناعة النشر خلال الأعوام العشرة المقبلة، بنفس الطريقة التي هيمنت من خلالها الموسيقى الرقمية على اسطوانات الأغاني التقليدية بين عشية وضحاها. وترى الصحيفة في محور آخر أن فكرة تحول الكتب في نهاية المطاف إلى مجرد سلعة إلكترونية أخرى – شأنها شأن تويتر أو الفيس بوك – أمر ينظر إليه كثير من القراء على أنه أمر بغيض. فماذا لو نفذ شحن كتابك المفضل ذات فجأة، أو تسلل إليه فيروس من فيروسات الكمبيوتر ؟ - وذلك في الوقت الذي تسود فيه وجهة نظر أخرى، ترى أن عملية رقمنة الكتب يمكنها أن ترفع من أداء القراء ( إذ أنها تسمح للأشخاص بقراءة قدر أكبر وبشكل أسرع ). كما سيتمكن الجيل القادم من القراء الإلكترونيين – على سبيل المثال – من الاتصال بشبكة الإنترنت. ولن يتمكنوا فقط من تحميل العشرات من الكتب، بل سيتمكن عدد كبير منهم من ترميز النصوص ومشاركة تلك الترميزات مع مئات الأصدقاء الذين يمكثون بعيدا ً عنهم بمئات الأميال. وفي الختام، تنقل الصحيفة عن سام بليث، رئيس أكاديمية بليث التقدمية في تورنتو، قوله :" لقد غيرت تكنولوجيا القارئ الإلكتروني بالفعل من الطريقة التي يتعلم من خلالها الطلاب. فبالإمكان تعديله بحيث يلاءم كل طالب وفقا ً لما يعانيه أو يميزه من نقاط ضعف أو قوة متعلقة بطريقة التعلم- وتلك الجزئية شديدة الأهمية". ويقول دان كلانسي، مدير الهندسة في غوغل للبحث عن الكتب، قوله :" مع استمرار المكتبات في تكديس وتجميع الكتب الإلكترونية – ومع تحول مزيد من الكتب إلى نصوص يسهل البحث عنها إلكترونيا ً – أتوقع أن تشهد نوعية المنح الدراسية حالة من التحسن. فإذا كنت قادرا ً على البحث في كل هذه الكتب في نفس الوقت، فإنك ستتمكن من العثور على معلومات لم تكن تعرف أنها موجودة من الأساس". أما ماريان وولف، أستاذ تنمية الطفل في جامعة "تفتس" بميدفورد في ولاية ماساشوستس الأميركية، فتقول :" لا يكفي القول هنا أن الناس ستتمكن من قراءة قدر أكبر من النصوص على أجهزة القراءة الإلكترونية. وتدور تساؤلاتي حول الطريقة التي يمكننا أن نقرأ من خلالها". في حين توقع في نهاية الأمر دنيس لوي جونسون، ناشر بيت ميلفيل للصحافة في بروكلين، أن يكون هناك ثمة نوع من أنواع التعايش بين القراءة الورقية ونظيرتها الإلكترونية على المدى البعيد، وتابع بقوله :" إذا كان يرغب الناس في قراءة الصحف، فإنهم سيستخدمون جهازا ً إلكترونيا ً. وإذا كانوا يرغبون في قراءة قصة أو تحقيق صحافي، فإنهم سيبقون مع الكتاب".