ما أكثر المصطلحات التي ننحتها ونبتكر نسيجها، بل ونتفنن في اصطناع خلفياتها الاجتماعية والسياسية والثقافية والمناطقية والعنصرية، وحتى ضحاياها نضع لهم كل الاحتمالات والتوقعات. أشكال وصيغ وقوالب وأفكار تحكي قصة واقع متعب ومجتمع مضطرب في كل أحواله وأمواله وجوانبه وعلاقاته وتفكيره، غريب أمرنا والأغرب منه أننا نصدق أنفسنا حين نحكي قصة انتصاراتنا ضد بعضنا البعض، عُقد وأمراض ضاربة جذورها في أعماقنا وضمائرنا وتاريخنا ومعاركنا البينية. (أنت من بقايا النظام) واحد من تلك المصطلحات التي تسربت إلى حياتنا ومدارسنا وقرانا ومجالسنا ومساجدنا وحواراتنا وخصاماتنا ننعت به كل من نختلف معه، تحول إلى وسيلة هوجاء وأداة إقصاء للأشخاص والأفكار والآراء، ثمة أحقاد وحسابات ذاتية تقف خلف رواجه الاجتماعي، يتم من خلاله تشكيل عصابات القمع والتقطعات وتصيد أصحاب الآراء والمواقف والنقد الواضح والبناء للممارسات وأعمال الفوضى التي حولت المجتمع إلى حلبة صراع لايتوقف. وصل الأمر أن ينعتك بهذا المصطلح بعض الحمقى ممن هم أعرف الناس بك وأكثرهم استفادة من خدماتك وعلاقاتك ويعرفون أنك تدفع إيجار الشقة التي تسكنها نهاية كل شهر، وكم من المرات توقفت بنا السيارة المتواضعة معلنة النقمة على الظروف والفساد والنظام، ثم يأتي أحد الحمقى ليقول لك أنت من بقايا النظام، ظلماً وبهتاناً وسفهاً لاحدود له. كنت والنظام في عنفوان فساده وتسلطه ومازلت محارباً في مؤسستك ومقر عملك ولقمة عيشك, تطاردك قرارات الإقصاء بشراسة, بسبب شهادة ميلادك أو لقبك العائلي أو الجغرافي, رغم كفاءتك وأقدميتك, كل ذلك خلال سنوات النظام السابق, ثم يأتي من يرفع صوته بكل صلف وابتذال ليقول لك(أنت من بقايا النظام). كيف تغيرت لغة الناس ونبرات صوتهم وكوابح عقولهم وقاموس مفرداتهم ومرجعية سلوكهم وآدابهم ومصفوفة المبادئ والقيم والأخلاق لديهم, تغيرت تعابير وملامح وجوههم, ياسبحان الله أصبحت في لحظة فارقة من(بقايا النظام), أليس في ذلك مايضحك؟ رغم أننا في وضع لم يعد للضحك فيه مكان ولازمان ولا لسان. المؤسف أن هذا المصطلح الأهوج أصبح أكثر رواجاً وقابلية- لدى الشارع اليمني- من الديمقراطية وثورة التغيير والمجتمع المدني ودولة النظام والقانون والمواطنة المتساوية ومتطلبات الأمن والاستقرار الاجتماعي, أليس في ذلك مايدعونا للتساؤل عمن يقف بكل قوته وإمكانياته خلف هذا الرواج الإعلامي والاجتماعي لهذا المصطلح, بقصد إشغال الناس وزيادة وتيرة الصراع بينهم، ونسيانهم إصلاح المؤسسات واسترجاع مانهب من منازلهم وأراضيهم وثرواتهم وكرامتهم وحقوقهم. ألم يعلم كل الذين تشبعوا بالشعارات وبمصطلح(أنت من بقايا النظام) أن بقايا النظام أولئك الذين كانوا أقطابه ومرجعيته وأدوات نفوذه وسيطرته على المجتمع والقبيلة ، الذين كانوا مصدر قوته وبطشه وساعده الذي ذهب ضحيته الكثير من أبناء اليمن ، الذين كانوا محط اهتمام النظام ودعمه وتسهيلاته ، أولئك الذين تضخمت في عهده ثرواتهم وكثرت شركاتهم واستثماراتهم وامتلأت كروشهم وأرصدتهم حتى تحولوا إلى ثعابين عملاقة، قال النظام بلسانه إنه يرقص فوق رؤوسهم طيلة ثلاثة عقود من الزمن . هم أولئك الذين اهترت مفاصلهم وقصورهم من صرخات شباب الثورة فهرولوا مسرعين ليرتموا في طريق الثورة، معلنين ثوريتهم خوفاً من الثورة لاحباً فيها ليحتووها ويطمئنوا على أموالهم وممتلكاتهم التي غنموها ، من ثروات اليمنيين ولقمة عيشهم . بقايا النظام هم الذين غنموا الوزارات والسفارات والمؤسسات والقرارات والثروات وعقود الاحتكار والقرب من الحاكم وحاشيته وزبانيته ، ومادون هؤلاء فهم من ضحايا النظام وليس من بقاياه . إذا كانت ثورة التغيير لم تستطع حتى اللحظة أن تفرز مجاميع الثعابين الذين هم النظام في شكله ومضمونه وعقليته وتفكيره وسلوكه . فإن أمر الثورة قد دُبر بليل ، وعلينا إصلاح مسار الثورة حتى لاتتحول إلى وسيلة قمع واستبداد جديد لليمن الأرض والكرامة والإنسان . [email protected]