ذات مساء وأنا في طريق العودة إلى البيت هاجمني ذئب الجوع وأنشب مخالبهُ في معدتي .. وعند دخولي بقالة الحي التي أتعامل معها حدثتني نفسي الأمّارة بأن التونة هي الوحيدة التي بمقدورها أن تصدّ ذئب الجوع. عندها سحبتُ علبة التونة من الرف وخرجت. عند وصولي البيت دلفتُ إلى المطبخ وأخذت بصلة كبيرة من سلة البصل وقطّعتها قطعاً صغيرة ثم أخذت من سلة الطماطم حبة طماط وقطّعتها وأخيراً أخذت قرن فلفل حار قطّعته ووضعت الكل في صحن وخلطته ببعض وبعدئذ فتحت علبة التونة كيما أتوج بها طبق العشاء الذهبي ولكن... هل تعرفون ما حدث ؟ انفجرت علبة التونة في وجهي مثل بالوعة. كانت فاسدة ومتعفنة وكان أن انتشرت رائحتها النتنة في أرجاء المطبخ وفي جميع غرف وممرات وأركان البيت. عندها انفجرتُ من الغيظ والحنق واندفعتُ كسهم من الغضب باتجاه البقالة. دخلتُ على صاحبها وأنا أرغي وأزبد.. أريتهُ علبة التونة المتعفنة واتهمتهُ بأنهُ يخون زبائنه ويبيع لهم أغذية فاسدة انتهت مدتها وصلاحيتها وتجاوزت عمرها الافتراضي وتحولت من غذاء إلى سم. وأمام الزبائن المتواجدين رحتُ أهدّدُ صاحب البقالة وأتوعده بأني سوف أشكوه إلى وزارة الصحة وإلى وزارة البلدية وإلى الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة وإلى هيئة مكافحة الفساد وإن لم تفلح كل هذه الوزارات والأجهزة والهيئات في إغلاق البقالة سوف ألجأ - قلتُ لهُ - إلى التصعيد وأصعدُ بشكواي إلى مجلس النواب باعتباره حامي حمى المواطن اليمني من الفساد والفاسدين. عندها أخذ صاحب البقالة مني علبة التونة وحدّق في تأريخ الإنتاج وفي تأريخ الانتهاء وقال ببرود وهدوء وهو يشير إلى الزبائن: تعالوا يا جماعة وشوفوا وقارنوا بين تأريخ الإنتاج وتأريخ الانتهاء في علبة التونة وبين تأريخ الإنتاج وتأريخ انتهاء مجلس النواب واحكموا بيننا.. قولوا لي: أيهما أكثر فساداً من الآخر؟ علبة التونة أم هذا المجلس الذي يهددني به الرازحي والذي انتهت صلاحيته من سنوات وغدا فاقداً للشرعية ومغتصباً للسلطة التشريعية؟ .