يخطئ العربي حين يعتبر انه غير معني بالعملية التي نفذها انتحاري في دولة عربية اخرى بعيدة كانت او قريبة. ويخطئ اذا اعتقد ان ثمة ضمانات بأن الانفجار لن يحدث على أرض بلده. وان ثمة صيغة سحرية للتعايش مع موجة الانتحاريين او إغرائها بالابتعاد. وتخطئ الدولة العربية اذا اعتقدت انها قادرة على التصدي لهذه الظاهرة بالأمن وحده. ومن دون التنسيق مع الدول العربية الأخرى. ومن دون تبادل المعلومات مع دول بعيدة. وتخطئ هذه الدولة العربية او تلك اذا توهمت انها تستطيع منفردة عبور هذا الاضطراب الكبير الذي يضرب الإقليم والعالم. لا بد من الالتفات الى حقيقة واضحة مفادها ان العالم يواجه حرباً من نوع جديد. وان هجمات 11 ايلول (سبتمبر) دشنت مرحلة جديدة ومختلفة. وان التهديدات الجديدة مختلفة بطبيعتها عن تلك التي كانت قائمة في عالم المعسكرين. ومختلفة عما كان يعتبره البعض إرهاباً في تلك الحقبة. كان القائد الفلسطيني وديع حداد يخطط لخطف الطائرات وكان هاجسه الأول ألا يراق دم خلال العملية. وحتى صبري البنا (ابو نضال) الذي ذهب بعيداً مع العنف والأجهزة لم يبلغ مرحلة حز الرؤوس أمام الشاشات. كارلوس نفسه لم يسدد رصاصات قاتلة إلا حين اعتبر نفسه مضطراً. القصة اليوم مختلفة. القاموس الذي يغرف منه المقاتلون الجوالون مختلف بمفرداته وتبريراته. لا يعترفون بشيء اسمه الحدود الدولية. برنامجهم عابر للحدود. قانونهم هو القانون ولا يعيرون انتباهاً لقانون آخر. محاكمهم هي المحاكم وأحكامها غير قابلة للاستئناف او النقض. وحدهم يمتلكون الحقيقة كاملة. وهي لا تقبل استفساراً او تساؤلاً او اجتهاداً آخر. أكثر من أي وقت آخر يبدو العالم أسير حرب يستحيل التكهن بنهايتها. ويتعذر إبرام هدنة فيها. حرب طرفها الآخر بلا عنوان. رجل متحصن في كهف بعيد. او شاب متنكر في حي في مدينة. او مسافر يجول بجواز مزور واسم مستعار مع استعداد للانفجار لدى اقتراب الشرطي. عالم مفاجئ. ومقلق. عنيف. ودموي. تعطلت فيه كل صمامات الأمان. مسارح حربه تمتد بين القارات. مفاجآته واردة براً وبحراً وجواً. ليس بسيطاً ان يربك شاب نيجيري القوة العظمى الوحيدة. وان يرغم سيد البيت الأبيض على تحمل مسؤولية التقصير في إجراءات السلامة. وان يرغم الدول على إنفاق مبالغ هائلة لضمان سلامة المسافرين. وان يتسبب في إجراءات ستضاعف الحساسيات والشعور بظلم تعميم الشكوك والاتهامات.
مشاهد غير مسبوقة. انتحاري ينفجر في افغانستان. وآخر في باكستان. وثالث في داغستان. ورابع في العراق. وخامس في اليمن. وسادس في الصومال. وراكب يحاول تفجير الطائرة التي يستقلها. والأجهزة تبحث عن علاقته بإمام متشدد لمع نجمه على الانترنت. كل هذا يمكن ان يحدث في يوم واحد. انتحاري ينفجر بدورية للشرطة. او بحافلة تقل سياحاً. او بعرس او مأتم. او بمصلين من مذهب آخر. واضح ان العالم انزلق الى حرب جديدة وطويلة. لا سوابق يمكن الاحتكام اليها او الإفادة من دروسها. مصانع الانتحاريين مستمرة في الإنتاج. شبان ناقمون يصطادهم الفكر المتطرف في المدرسة او الجامعة او المسجد او عبر جاذبية الفضائيات او مغاور الانترنت. يخطئ العربي اذا اعتقد ان هذه العاصفة تستهدف الغرب وحده. انها تستهدف في النهاية تغيير العالم العربي والإسلامي. والعالم العربي يقيم في قلب العاصفة. وأحداث اليمن أعادت التذكير بهذه الحقيقة. كلما تقلصت سلطة الحكومة المركزية في مكان تقدمت «القاعدة» لتفتح معهداً للتدريب هو في النهاية مصنع لإنتاج الانتحاريين وتصديرهم. ربما لا نزال في بدايات الحرب الطويلة. لهذا يجدر بالدول العربية التنبه. للاستقرار أولوية اليوم على كل ما عداه. ومع الاستقرار واجب فهم الظاهرة. أسبابها واستمرارها وسبل احتوائها. وشروط المواجهة الشاملة دينياً وفكرياً وثقافياً وإعلامياً وأمنياً وعلى صعيد التنمية أيضاً. والهدف الأول من المواجهة حماية المجتمع وتحصين الشبان ضد إغراءات مصانع الانتحاريين. التأخر في المواجهة الشاملة سيضاعف مخاطر زعزعة الاستقرار وإغراق المجتمعات العربية في نزاعات مذهبية وإنجاب المزيد من الدول الفاشلة. ولا خيار هنا غير التعاون الحقيقي بين الدول العربية. مصير هذه الدولة ليس منفصلاً عن مصير تلك. إعطاء الأولوية للاستقرار لا يعني الجمود. فحماية الاستقرار مشروطة بتوسيع مجالات المشاركة وإطلاق عجلة التنمية واعتماد مناهج تحارب التطرف والانغلاق والرأي الوحيد الكاره الآخر. ومن دون ذلك سيتمدد مستقبلنا بين العبوات والجنازات ولن يزدهر على ارضنا غير مصانع الانتحاريين.