الإهداء : إلى الفنان عبدالله المجاهد الذي أعطى الكثير ولم نعطه شيئا. في العدد الأخير من مجلة العربي، دراسة رائعة عن الفن وعلاقته بالثورة للفنان التشكيلي حكيم العاقل، الذي كان قد غادر اليمن إلى العاصمة الأردنية عمّان واختار الغربة وطناً لهُ ولأفراد أسرته، وذلك بعد أن تجمّع عليه حزب التجمُّع الحاكم وحكم عليه بالنفي والعيش في المنفى. ولأن الفنان حكيم العاقل- الذي كان يشغل وظيفة مستشار الوزير لشئون الفنون التشكيلية وبيوت الفن - ليس حزبياَ ولا مُهَرّجاً، لأنه فنان بكل معنى الكلمة وليس له من يدافع عنه.. لا حزب ولا سلطة ولا قبيلة، فقد انفرد به التجمُّع من أول يوم وراح يستعرض عليه عضلاته الحزبية. وحتى يزيحه من موقعه مهّد لذلك بحملة تشهير ضده.. وهي حملة قذرة تنُمُّ عن وضاعةٍ وخسّةٍ وتكشف بأنه حتى الأحزاب الصغيرة لديها أحقاد وضغائن كبيرة. عندما جاء إلى وزارة الثقافة لم يكن أمين عام حزب التجمع يعرف من هو الفنان حكيم العاقل! ولا ماذا يعني الفن ! ولا ما هو الفرق بين الفن وبين الصليط! كل ما كان يعرفه وكل ما قيل له هو أنه يجب إزاحة حكيم من الطريق بأي طريقة كانت، وأنه من أجل أن ينتصر خط الحزب لابد من وضع الفنان حكيم خارج الخط. في دراسته عن العلاقة بين الفن والثورة ثمة حكاية تلخص أهمية ومكانة الفنان في المجتمع : " إبّان الحرب العاليمة الثانية وباريس محتلة من قبل القوات النازية، أتت مجموعة من المقاتلين في الجبهة إلى الفنان ماتيس في مرسمه، ووجدوه يرسم أسماكاً حمراء في أحواض زجاجية فسخروا منه وقالوا له: الناس تموت دفاعاً عن الوطن وأنت في مرسمك ترسم اسماكاً ! فرد عليهم ماتيس قائلاً: ستنتهي الحرب وينساها الناس وستبقى أسماكي خالدة إلى الأبد". وأنت أيها الوزير سوف يأتي يوم ينساك الناس، وينسون كل الأوباش في وزارتك وكل الثوريين والمناضلين في حزبك "العظيم". أما حكيم، الفنان المبدع، المتميز، المتجدد، والمتألق دوماً، فلسوف يبقى خالداً خلود لوحاته التي ترفعه يوماً بعد يوم إلى مصاف عظماء الفنانين وكبار المبدعين. إنه لا كرامة ولا مكانة لفنان ومبدع في وطنه. الكرامة والمكانة فقط للحزبيين والمناضلين والأوغاد والانتهازيين والسوقيين والمزايدين والتافهين والفاسدين والنهابين والقتلة وقطاع طرق. واعلم أيها الوزير أنك عندما تلغي فنانا بحجم حكيم العاقل، إنما تلغي الفن وتلغي الثقافة وتلغي الوزارة -التي أنيطت بك مسئولية تطويرها- وتلغي أجمل ما فيك وأجمل ما فينا وأجمل ما في الوطن. ذلك لأن حكيم العاقل كفنان موهوب يقدر أن يعيش ويكسب ويبدع ويقدم الكثير بدون الوزارة، أما وزارتك من دون حكيم الفنان فتغدو مجرد حظيرة.