لا احد يشكك في وطنية ونزاهة الاستاذ محمد المقالح، لكن لا علاقة لذلك بتطرفه الثورجي وتحريضه على صحيفتي الاولى والشارع، المقالح يعرف أكثر من غيرة ان منشوره عن الصحيفتين فيه تحريض واضح، وان كان اتبعه بالدعوة الى عدم قمع وسائل الاعلام، لكن يكفي ربطه بين نزول الصحيفتين الى الاسواق بنزول المدرعات الاماراتية الى عدن لكي تقوم لجان الحوثيين الثورية اذا ما انتقدت الصحيفتين أو فضحت ممارسات الحوثيين بإكمال المهمة، والسطو على مقرات الصحيفتين والمطبعة ونهبهما كما حصل مع مؤسسة الشموع وبقية وسائل الاعلام التي صنفت مع الطرف الآخر. الاستاذ المقالح يعيش صراع نفسي بسبب الخيارات التي دفع اليها الحوثيين هو وغيره، فقد ثبت فشلها وكارثيتها الواحد تلو الآخر، وحجم الدمار الذي تسببت به ماثل للعيان على الحركة وسمعتها وعلى الوطن والمواطن كذلك. *** من يحب الاستاذ المقالح عليه أن ينصحه أن لا يدفع الحركة الى المزيد من المغامرات غير المحسوبة، فالضحايا في كل بيت، ولا تزال النار مشتعلة في كل الجبهات، وسمعة الحوثيين على مستوى النزاهة واحترام الآخرين ضربت في كل مكان، بسبب ممارساتهم وفسادهم وقمعهم، وانتهى تواجدهم السياسي في الجنوب تماما وسينحسر في الوسط خلال بضعة أشهر قليلة، وحتى في الشمال هناك سخط عارم عليهم لكنه مقموع وينتظر اللحظة التاريخية لينفجر. الخيارات العدمية التي تبناها المقالح وغيره ويقامر الآن بكل شيء من أجل اثبات صحتها فشلت فشلا ذريعا، وهذا ما يدفعه لمزيد من التطرف عبر التحريض على صحف طالما كانت منبرا له ولكتاباته، لأنه يعتبر تلك الصحف وكتابها يواجهون ويسفهون خياراته، ويفضحون تحليلاته الكارثية. *** المعركة التي يخوضها المقالح مع نفسه أكثر من أي شيء آخر، فمن من ناحية يصعب عليه الاعتراف بالذنب، لأنه وغيره ساهموا في دفع حركة شابة فتية لا خبرة سياسية لها الى خيارات كارثية، معتمدين عليه وعلى غيره مِن مَن وثقت الحركة وقائدها بقدراتهم السياسية، ثم ثبت لقائدها أنهم ورطوه وألبسوه كوفية أكبر من رأسه، وحولوه من زعيم تيار سياسي يَمِيني مذهبي محسوب على منطقة وطائفة ومذهب في شمال الشمال الى قائد ثورة يمنية وطنية من صعدة الى المهرة، متناسين الحساسيات المناطقية والسياسية والمذهبية، وضاربين عرض الحائط بالقضية الجنوبية وافرازاتها خلال العقدين الماضيين، ومن ناحية أخرى يجد أحلامه وتحليلاته تتحطم أمامه، ولا يريد أن يعترف بالفشل وبالورطة التي ساهم فيها بقدر ما، لذلك يخوض معركة شخصية مع كتاب وصحف حذرت من خيارات الحوثيين الاحادية الكارثية، مع أن الطرف الآخر المؤيد للعاصفة يعتبر تلك الصحف والكتاب معادين له ويتبعون الرئيس السابق صالح ومطبخه الاعلامي. *** المقالح شخصية رائعة نزيهة وطنية مخلصة قِيَمِيَة حالمة الى أبعد الحدود، لكنه لا يصلح مطلقا كمحلل سياسي لحركة دينية حاكمة، لأنه ينطلق من ثقافة يسارية ماركسية عابرة للحدود والقوميات والأديان المذاهب والأولوان والأعراق ليحلل سياسياً لحركة ينظر لها أغلب اليمنيين على اعتبارها حركة دينية أصولية مذهبية مناطقية تؤمن بانحصار الحكم والولاية في أسرة. محمد المقالح كاتب، ويجب أن يبقى كاتب، يعبر عن احلام المجتمع وتطلعاته، وتحويله الى مستشار سياسي لحركة يمينية وعضو في لجنتها الحاكمة قرار كارثي على البلد، فالحالمون عندما يتولون السياسية والحكم دائما ما يورطون بلدانهم وشعوبهم. السياسة والدولة لها رجالها، والكتابة والاحلام والتنظير والثورجية لها رجالها كذلك، والخلط بين الوظيفتين وبالأخص في اليمن المفخخ بالكثير من المشاكل والصراعات المحلية والاقليمية والدولية يؤدي الى نتائج كارثية كالتي نشهدها هذه الأيام. *** لا اقول أن المقالح هو السبب، فالحركة مندفعة من الأساس، لكنه وغيره ساهموا بدون قصد في خداع الحركة وقائدها عندما اعتبروا أن تحركها بعد قرار الجرعة ثورة شعبية وطنية، وحولوا عبدالملك بعد سقوط صنعاء الى قائد الثورة مع أنه لا يحب مثل تلك المسميات، لكنه تورط ولبس كوفية تشي جيفارا التي لا علاقة له بها، وكان في قدرتهم فرملة الحركة وقائدها لو استمعوا لنصائحنا وتحذيراتنا المبكرة. على الاستاذ المقالح مراجعة نفسه، ونصائحه الثورجية التي قدمها للحركة، وتصويبها، فليس عيبا الاعتراف بالخطأ، العيب هو في الاستمرار بالمقامرة بوطننا وأطفالنا ورجالنا ونسائنا وكل مقدراتنا في حرب أهلية مدعومة من اطراف اقليمية ودولية عبر تسويق ما يحصل أنه ثورة لا لشيء الا ليثبت أنه كان على حق في كتاباته وتحليلاته. *** يجب ان نسمي الاشياء بمسمياتها، في اليمن الآن حرب أهلية ولسنا أمام ثورة شعبية ضد نظام حكم معين، والسعودية ودول أخرى تدعم وتتدخل لصالح أحد اطرافها، وهذا الطرف لديه أغلبية شعبية وجغرافية، ولا يمكن للأقلية أن تفرض خيارها على الأغلبية تحت اي مسميات، وللتأكد يمكن عمل استبيان او استطلاع للرأي العام في اليمن في مختلف المناطق وفقا للإجراءات والاساليب العلمية المتبعة في مثل تلك الاستطلاعات، وسيظهر بحسب اعتقادي أن المؤيدين للحركة الحوثية وخياراتها الاحادية لا يتجاوزون العشرين في المائة على أكثر تقدير. تصنيف ما يحدث في اليمن كحرب أهلية -لا كثورة شعبية- ليس من اختراعي، فهذا التصنيف معتمد عند المنظمات الدولية ووسائل الاعلام العالمية والمنظمات الحقوقية وكل المراكز البحثية. *** لا مقارنة يا استاذ محمد المقالح بين اليمن وايران، فهناك أغلبية شعبية شيعية كاسحة ساندت ثورة الامام الخميني، وهنا في اليمن نحن أمام أقلية مذهبية لا يمكن أن تفرض خياراتها الثورجية على شعب بكامله. عليك الحذر من فرقة التطبيل التي انبرت للدفاع عنك وانكرت تحريضك الوضح، ويمكنك استشارة أقرب الناس اليك من غير الثورجيين الذين تعودت على مجالستهم، وسيقولون لك أنك حرضت على زملائك وعلى وسائل اعلام طالما وقفت مع تيارك السياسي عندما كان مظلوماً، ولا عيب عندها في الاعتراف بالخطأ وتقديم الاعتذار فأنت تمتلك الشجاعة اللازمة لذلك. ومطلب أخير أتوجه به اليك وهو أن تضمن عدم تعرض الصحيفتين أو المطبعة لأي عمليات سطو أو نهب من قبل لجانكم الثورية، حتى نقنع مُلاكهما بإصدارهما مجدداً، فهناك العشرات من العوائل التي فقد مُعيلوها أعمالهم بسبب إيقاف الصحيفتين اختياراً خوفاً من عصابتكم الثورية، واذا ما ارتكبت أياً من الصحيفتين ما يمكن محاسبتهما عليه فهناك نيابة الصحافة والمطبوعات يمكن ان تتقدموا بشكوى اليها وهناك مواد قانونية لا تزال معتمدة تعتبر قاسية في محاكمة الرأي وتصل حد الاعدام، لكننا قابلون بتطبيقها، المهم أن يكون ذلك وفقاً للإجراءات القانونية العلنية المتبعة وليس في سراديب سجون ومعتقلات حركتك الثورية المنتشرة حتى داخل أمانة العاصمة صنعاء.