كيف عاش مجانين الشوارع أثناء الأزمة وذروة المواجهات المسلحة.. مبعث السؤال أن مجانين الشوارع كانوا دائماً محل اتهام بأنهم ليسوا مجانين وإنما محض ضباط إمَّا في الأمن السياسي أو القومي، ويخدمون هذا الطرف أو ذاك. وقبل أيام قرأت خبراً يفيد بأن هناك مجانين تعرضوا للتعذيب واختفوا على ذمّة الأزمة.. ما جعلني أتفهّم المثل القائل بأنه «حتى الجنون يشتي عقل».. وكان حكيم قد قال : «جميعنا مجانين وأدعياء العقل أكثر جنوناً». والشك في أن كثيراً من المجانين ليسوا مجانين وإنما يدّعون الجنون هو شك ممتد من زمن العمل السري حتى هذا الزمن الذي صار بلا أسرار ومكشوفاً بذات انكشاف امرأة حبلى تركب فوق سنام جمل.. كيف وأسرار الجميع تعرض أمام الجميع تحت حمّى القات ودخان المقايل. وكثيراً ما يتعرض بعض المجانين للضرب بمجرد اقترابهم من منزل وجاهة أو مقر حزب.. حيث مطلوب من المجنون أن يثبت للمرافقين والحرّاس أنه ليس مكلّفاً بكتابة تقارير.. وأنه لا يقبض المرتّب والمكافأة والأجور الإضافية عن تقاريره الخطيرة. وحتى تتحقق العدالة الانتقالية في صفوف مجانين الشوارع صار على وزارة الشؤون الاجتماعية أن تجتهد وتعمل على فرز المجانين الحقيقيين من غيرهم حتى لا يتسبب أي مجنون دخيل على المهنة في أذية المجنون الرسمي. قد تتردد وزارة الشؤون الاجتماعية بخلفية أن هذه المهمة تحتاج إلى تمويل خارجي وحماية دولية حتى لا يساء فهم ما تقوم به فرق العمل.. خاصةً في بعض الأحياء المفخخة بالمسلحين.. ولكن إذا كانت الوزارة عاجزة عن استضافة مجانين الشوارع في دُور للرعاية والعلاج فعلى الأقل تحمي المجنون الأصلي من المجنون (التقليد) وتمنع أخذ البريء بالمذنب ولا بأس من إخفاء ما إذا كان المجنون «ثوري» أو مجنون «فلول» أو بقايا هؤلاء وأولئك. أما أنا فما زلت معتقداً بأن كل مجانين الشوارع حقيقيون وليسوا حتى افتراضيين.. وأن على علماء النفس والاجتماع والمخابرات أن يصدقونا القول هل بيننا مَنْ يقبل أن يعيش حياته في زمهرير الشتاء وأمطار الصيف من أجل أن يكشف المكشوف وفي تلك الملابس الرثّة الممزقة.. ولاحظوا معي أن السؤال والإجابة المنتظرة إنما يذكران بالمثل القائل «حتى الجنان يشتي عقل».