العدوى الجماعية قد تبدأ بقيام الصاحب بدور الساحب.. وقد تتوسَّع الدوائر وأسوأ أشكال السحب عندما يسحب الصاحب صاحبه إلى أتون كارثة ثم يقول له : «صدَّقت يا خضعي». وكثيرة هي الشواهد على أشخاص دفعوا أصحابهم إلى مواقف ثم ردَّدوا مقولة إبليس وهو يتبرَّأ من جميع الذين أغواهم ومهَّد لهم الطريق إلى جهنَّم «وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ».. وكثيرة هي الجرائم التي يقوم بها أصحابٌ بتحريض من أكثرهم قدرةً على المكر وعلى التأثير بالشيطاني من الأفكار حتى صار بيننا مَنْ يتعمَّد الغدر بصاحبه ثم يقول وهو يمزح : لا بأس يا صديقي إنه مجرَّد فاصل إعلاني من النذالة. وعلى ذكر الصحوبية والنذالة فقد تسابق ثلاثة من الأصدقاء المحتملين حول مَنْ منهم أكثر نذالةً فقام الأول - حسب الرواية - وكسر عصا كانت عجوز تتوكَّأ عليها.. وقام الثاني بتحطيم عظام هذه العجوز.. واكتفى الثالث بالقهقهة معلناً نفسه الفائز.. وعندما سألوه : لماذا ضحكة الانتصار مع أنك لست الفائز؟ قال ببساطة : أنا الفائز لأن هذه العجوز هي أمّي. وإذا كان التأثير السلبي للنذالة محدوداً عندما ينال من الصداقة بين اثنين أو ثلاثة أو خمسة فإنه يكون خطيراً عندما تتوسَّع دائرته وينال من المجتمع.. بل ومن الوطن.. حيث تفضي النذالة الجماعية المنظَّمة إلى اتِّساع رقعة الغيمة السوداء.. وهو ما يؤسِّس لإخراج البلد والشعب من المعادلة.. خاصةً لو طالت النذالة سقف الوطن. وبمناسبة استخدام مفردة الوطن في العبارة السابقة قلت لوزير صديق تجمعني به مكالمات صادقة حول الشأن العام : هل تصدِّق أنني صرت أستبدل في الذي أكتبه كلمة الوطن بكلمة البلد أو البلاد بعد الذي كان من استهلاكنا لمفردة الوطن؟ فقال لي : لا بأس.. واستشهد بأن مفردة البلاد والبلد هي التي وردت في القرآن الكريم في مواضع كثيرة : «لا أُقِسْمُ بِهَذَا الْبَلَد».. «الَّذِيْنَ طَغُوْا فِي الْبِلاَد». وحتى لا يرى الشباب والشابات أحلامهم تتبدَّد لا مجال للعبور من منزلقات الخطر إلاَّ بإدراك أن الشعب لا يريد أكثر من تحرير العقول.. وحينها ستتحرَّر أمور كثيرة ويتعزَّز مخزون الثقة ويحلّ التجديد الواعي بديلاً عن التقليد الغاوي وتزول المخاوف من الأشرار.. ويتراجع منسوب النذالة.