لم تمنع سنوات الحرب الطويلة التي خاضتها روسيا، في بداية الثمانينات، ضد "المجاهدين الأفغان" الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من التعاون مع ألد أعدائه القدامى، حركة طالبان. وأعلن مسؤول روسي بارز، في تصريحات نقلتها وسائل الإعلام قبل يومين، أن روسيا تتعاون مع حركة طالبان الأفغانية المتشددة، من أجل تبادل معلومات استخباراتية. وحسب التصريحات التي أدلى بها رئيس قسم الشؤون الأفغانية في وزارة الخارجية الروسية وممثل الكرملين في أفغانستان زامير كابولوف، فإن "مصالح طالبان تتقاطع بشكل موضوعي مع مصالحنا". وتابع: "لقد قلت في السابق إن لدينا قنوات اتصال مع طالبان لتبادل المعلومات".
وأكدت المتحدثة باسم وزارة الخارجية ماريا زاخاروفا، بدورها، تصريحات زميلها كابولوف. وكشفت أن التعاون بين روسيا وطالبان يهم "محاربة تنظيم الدولة الإسلامية" داعش. في المقابل، وبعد أن صمتت لأيام، نفت حركة طالبان الأفغانية في بيان حدوث أي تواصل مع الحكومة الروسية يتعلق بتبادل معلومات استخباراتية تهم تنظيم داعش.
عدو عدوي تعتبر كل من روسيا وحركة طالبان تنظيم داعش عدوا. ودخل التنظيم الإرهابي في منافسة شديدة مع طالبان بعد إعلانه تأسيس "ولاية خراسان". وتشكل فرع داعش في أفغانستان وباكستان، في مطلع سنة 2015، من أعضاء منشقين من حركة طالبان بقسميها الأفغاني والباكستاني. وتحول التنافس بين التنظيمين إلى مواجهات مسلحة أحيانا في شرق وجنوب أفغانستان. ولا تمتنع روسيا عن التعاون مع طالبان رغم أنها تنظر إليها كتنظيم إرهابي، إلا أنها تراها أقل خطورة على مصالحها من مقاتلي داعش الموجودين على الأراضي الأفغانية. وفي لقائه بالرئيس حامد كرزاي في حزيران / يونيو الماضي، قال بوتين إن "داعش يوجد في 25 من أصل 34 ولاية أفغانية"، وفق ما نقلت وسائل إعلام روسية.
وتسعى روسيا إلى تأمين الحدود الأفغانية، وضمان عدم مرور مقاتلي داعش إلى الجمهوريات السوفياتية السابقة: تركمانستان وأوزبكستان، وطاجيكستان، وكازاخستان. وتهدف أيضا إلى منع المقاتلين المنحدرين من روسيا ومن الجمهوريات السوفياتية السابقة، الذين التحقوا بداعش في سورية، من العودة إلى دولهم. وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في لقاء قادة "اتحاد الدول المستقلة" في كازاخستان في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، إن ما بين خمسة آلاف وسبعة آلاف مقاتل من روسيا ودول الاتحاد السوفياتي السابق يحاربون في صفوف داعش بسورية. وأضاف أنهم يشكلون تهديدا حقيقيا في حالة عودتهم إلى بلدانهم، داعيا قادة الجمهوريات السوفياتية السابقة إلى أن يكونوا مستعدين للتصرف. واتفقت هذه الدول على تشكيل قوة مشتركة لحماية نفسها وقت الأزمات. وعززت موسكو من وجودها العسكري في طاجيكستان، صاحبة أطول حدود مع أفغانستان. وقامت في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي بتعزيز قاعدتها القريبة من العاصمة الطاجيكية دوشنبي بمروحيات عسكرية.
سباق تنافس تمكن تنظيم داعش في أفغانستان من زيادة نفوذه في الأشهر الأخيرة. وأبلغ مسؤول في الجيش الأميركي الكونغرس، الشهر الماضي، أن التنظيم يتوفر على حوالي ثلاثة آلاف مقاتل فوق الأراضي الأفغانية. واعتبر محللون غربيون أن سعي بوتين للتعاون مع طالبان لا يهدف فقط إلى تبادل معلومات استخباراتية لمحاربة تنظيم داعش، بقدر ما يسعى أيضا إلى ترسيخ نفود روسيا في المنطقة والدخول في منافسة مع الدول الغربية. وقال الخبير في الشؤون الروسية من مركز ويلسون في واشنطن للأبحاث ماثيو روجانسك، في تصريح نشرته شبكة CNN، "يريد (بوتين) العودة إلى زمن السبعينات، عندما كان الاتحاد السوفياتي على قدم المساواة مع الولاياتالمتحدة، كقائدين للعالم وعدوين لدودين خلال الحرب الباردة. لكن الواقع أنهما جلسا إلى الطاولة وعقدا صفقات". ويسعى بوتين إلى تمتين علاقاته مع الجمهوريات السوفياتية، وزيادة تأثيره في صفوف هذه الدول. وفي هذا السياق، أكد موظف وكالة الاستخبارات الأميركية السابق فيليب مود أن "ما يفعله بوتين حاليا، هو أنه يقول لهذه الدول: سأعمل مع طالبان للوصول إلى اتفاق لجمع المعلومات حول داعش، قبل أن يعبروا إلى حدودكم.. وعندما أجمع هذه المعلومات سأمدكم بها". وتابع: "يتعلق الأمر في الحقيقة باستعادة الثقة والعلاقات مع دول وسط آسيا، وبمنافسة الولاياتالمتحدة، مثلما يتعلق بمحاربة داعش في أفغانستان".