هل جرب أحدكم السير طلوعاً وهبوطاً في شوارع مدينة تعز؟ أو الصعود باتجاه جبل صبر؟ إن ذلك ليس ممتعاً فحسب، بل هو درس مهم في التواضع ذلك لأنك كلما ارتفعت، فثمة ما هو أرفع منك، ولا داعي للتكبر إذاً. إنها فطرة الله في هذه المدينة، خلقها هكذا لتعلم الأغبياء أن الحياة علو وهبوط. لكن من يتعظ؟ جبل صبر، الطريق التي شقت فيه حولته إلى مدينة في وعاء لم يفقد نكهته الريفية بعد. غير أن الجبل لم يعد مثلما كان يصدر للمدينة الخوخ والبلس والقات والجمال معاً. كل الصبريات القادمات من الجبل إلى أسواق المدينة ينزلن حاملات سلال (الأجب) غير مكترثات وواثقات أيضاً من أن نظرات عيون المبتاعين الطويلة لن تكون أكثر من نزق عادي ينتهي بمجرد أن تزمجر إحداهن في وجههِ: (عيب عليك..كل واحد معه عار). في تعز – وأنا طفلا في الثالثة عشرة من عمري عرفت-آنذاك- ما تعني السينما، وتمنيت كثيراً لو أنني أصبح بطلاً في فيلم هندي، غير أن دور العروض لما أُغلقت أبوابها – منذ سنة 1991- وتحولت غالبيتها إلى صالات أفراح صعب عليَّ الطموح بأن أصير مخرجاً سينمائياً كما حلمت، ولم يعد بوسعي الآن -بعد أن تحولت دور العرض إلى صالات أفراح - إلاّ أن أطمح بأن أصير (مُخَضِبَة) في حفلة زفاف!. في تعزالمدينة لوحدها - فقط - كان يوجد 5 دور عروض سينما مفتوحة أبوابها للرجال وللنساء. كل ذلك وكانت أخلاق المجتمع متزنة ومستوى الجريمة-مقارنة بها الآن- كان رقماً لا يلمع في الخاطر. أتحدث عن تعز منذ منتصف الستينيات وحتى سنة 1990م ولم أكن قد عاصرتها أبداً كشاب، بل كنت طفلاً. كانت فرقة المسرح الوطني لمكتب الثقافة تضم إليها حتى عام 1986م قرابة 120عنصراً نسائياً لا يجرؤ أحد أن ينظر إليهن إلا بكونهن بنات ناس. لابأس، سيتذكر أحدكم الآن يافطات عروض السينما لصق جدار السوق المركزي القديم في شارع التحرير، وسيتمنى لو أنه يرفع رأسه كيما يراها مجدداً هناك. وما من شيء سيلقاه الآن غير عبارة" ممنوع التبول هنا"، كتبت عرض نفس الجدار الذي كانت تعلق عليه يافطات أحدث أفلام السينما. كما سيجد في نفس الوقت كوماً من القمامة الى جوار عدد من بسطات الحراج وهي تعرض حزمة بالية من الملابس والجاكيتات التي لبسها قوم أوروبي أنيق من قبل، ثم جاءت إلينا كبضاعة يلبسها الكادحون هنا . وانتم تشاهدون محلات الملابس البالية (الحراج) يمكنكم الانتباه إلى أن أرقى محلات بيع الملابس كانت تجلس في ذات الشارع – شارع التحرير- ومثله شارع26 سبتمبر. وكان فندق مأرب يعتلي تبة وسط المدينة ويظهر كما لو أنه فنار من حجر بني فاتح وأنيق، مفتوحا للسهر وللاحتفالات، انتهى الفندق المَعلَم طبعاً ومثله عديد فنادق ضخمة. أتذكر المطعم اللبناني (فينيستا) في الحوبان. دخلته مرة وأنا صغير بصحبة ضابط كان جارنا واصطحبني مع أسرته لتناول العشاء هناك. لأول مرة أكترث للموسيقى وأمامي صحن طعام، كما ولأول مرة أعرف الحُمص وحبات الزيتون.وطبق البيتفور بعد علاقة وطيدة مع الكُدم والحلص . المطعم الآن غدا خرابة – كما كل شيء متمدن في تعز- ويمكن لأحدكم أن يمر من جوار بيت الشباب في الحوبان، ويراه لعله يبتسم.