أحمد أميري : ليست هناك دولة إسلامية في الوقت الحاضر تنفّذ فيها عقوبات رجم الزاني وقطع يد السارق، لا يحدث ذلك حتى في الدول التي تتبنى تطبيق الشريعة الإسلامية، ولا يحدث ذلك حتى في حالات صدور حكم بالرجم أو القطع، إذ التنفيذ معطّل. وأحد أسباب لجوء الدول الإسلامية إلى استبدال العقوبات المقيّدة للحرية بالعقوبات الجسدية، هو التوجّه العالمي الرافض لمثل تلك العقوبات، علماً بأن الاقتصاص من القاتل لا تثار ضجة حوله باعتباره حكم إعدام في نهاية المطاف، والإعدام لا يزال مختلفاً بشأنه، وهناك دول كثيرة ما تزال تطبق هذه العقوبة.
جماعة «الإخوان المسلمين» ربما تعي ماذا يعني «التوجّه العالمي»، وأن ثمة أموراً لم تعد مقبولة في عالم اليوم، وأن تحدي ما اتفقت عليه أكثر أمم الأرض له ثمن غالٍ، خصوصاً للدول التي لا تعد دولاً عظمى، ويمكن ممارسة الضغوط عليها. لذلك، تحاول هذه الجماعة ألا تثير قلق الغربيين بشأن التزامها بالمبادئ التي أخذت صبغة عالمية، وصارت حقاً من حقوق الإنسان المعاصر، حتى وإن كانت تلك المبادئ مخالفة لوجهة النظر السائدة والمهيمنة في التراث الإسلامي، بل تعد جرائم جاهلية في أدبيات «الإخوان» بالذات.
وفي أحدث محاولة «إخوانية» للتقرّب من الدوائر الغربية بعد صدور تقرير من الحكومة البريطانية يشير إلى ارتباط «الإخوان» بالإرهاب، زعم قادة في تنظيم «الإخوان» في جلسة استماع أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس العموم البريطاني حول الإسلام السياسي وعلاقته بالتطرف، أنهم لا يؤمنون بدولة الخلافة الإسلامية، وأنهم مع حق المرأة في تولي المناصب القيادية، وأنهم ليسوا ضد حرية الاعتقاد والإلحاد، وأنهم ليسوا ضد حقوق المثليين!
وبطبيعة حال هذه الجماعة، لا ينبع موقفها هذا من تطوّر مفاجئٍ حدث في فكرها ورؤيتها، إذ إنها تحاول اكتساب وجودها في الشارع العربي أساساً من تبنيها مواقف على عكس مواقفها في الغرب، ولو طرحت الجماعة مثل تلك المواقف في المجتمعات العربية، لانفضّت من حولها الثلة التي ما تزال تعتقد بطهرانيتها ومبدئيتها! ولو كان ما قالوه في مجلس العموم البريطاني هو رأيهم نفسه طوال تاريخهم، لما كان هنالك «إخوان مسلمون» في يوم من الأيام.
ولا تكتفي هذه الجماعة بتغيير نبرة صوتها بحسب أذن المستمع، بل إنها تهيّج الشارع في أي دولة عربية تحاول إقرار شيء من تلك المبادئ، في انتهازية فاضحة للمسألة الواحدة، فتحسّن صورتها لدى دوائر القرار في الدول الغربية، وتشوّه صورة أصحاب القرار في الدول العربية، وتطرح نفسها في الغرب كبديل حداثي، وتطرح نفسها لدى العرب كبديل إسلامي!
وعلى أي حال، وكما دعا وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي، فإننا في انتظار أن يترجم «الإخوان» ما قالوه في مجلس العموم البريطاني على الصعيدين العربي والإسلامي، فنجد لهم خطاباً جديداً موجهاً إلى العرب والمسلمين، وليس للغرب والبريطانيين، يقوم على نبذ فكرة الخلافة الإسلامية، ويدعو لحق المرأة في تولي المناصب القيادية، وإلى حرية الاعتقاد والإلحاد وحقوق المثليين.. فهل يفعلها «الإخوان»؟!