قلل مراقبون من نتائج الاستفتاء التي أعلنت عنها أمس اللجنة العليا للانتخابات، وكرّست من خلالها هيمنة الإخوان على مستقبل مصر. وأعلنت اللجنة العليا للانتخابات أن مشروع الدستور الجديد حصل على موافقة 8ر63 بالمئة من الناخبين مقابل رفض 2ر36 بالمئة له. لكن الوجه الآخر للأرقام يقول إن الاستفتاء شارك فيه 30 بالمئة ممن يحق لهم الانتخاب، 19 بالمئة منهم فقط قالوا نعم، أي أن قرابة 80 بالمئة من المصريين يرفضون المشروع الإخواني. وتقول المعارضة إن الدستور الذي وضعته جمعية تأسيسية يهيمن عليها حلفاء مرسي الإسلاميون لم يكفل الحريات الشخصية وحقوق المرأة والأقليات، وإنه سيكون سببا رئيسيا في انعدام الاستقرار خلال الأشهر القادمة. وتؤكد شخصيات معارضة أنه رغم عمليات التزوير الواسعة التي وقف وراءها الإخوان في محاولة للترفيع من نسبة الموافقين على الدستور، فإن هذه النسبة لم تتجاوز 19 بالمئة ممن يحق لهم الانتخاب، وهو ما يجعل منه دستورا لخمس المصريين ليس أكثر. يشار إلى أن المعارضة انقسمت إلى فريقين، واحد دعا إلى المشاركة في الاستفتاء والتصويت بلا، وفريق آخر رفض المشاركة لأن فيها إضفاء لمصداقية على استفتاء كان يفترض أن يتم وفق التوافق وليس بمنطق فرض الأمر الواقع، كما قال هؤلاء. يضاف إلى ذلك مقاطعة ملايين المصريين العاديين الذي يهتمون بلقمة العيش، وفضلوا ألا يذهبوا لصناديق في حركة رمزية ذات دلالة بالغة مفادها أن لعبة السياسة لا تعنينا. وقالت منظمات حقوقية مصرية إن مخالفات شابت إدلاء الناخبين بأصواتهم في المرحلة الثانية من الاستفتاء على مشروع الدستور الجديد لمصر تماثل مخالفات في المرحلة الأولى. وذكر التحالف المصري لمراقبة الانتخابات الذي يقول إنه يضم 123 منظمة حقوقية وتنموية في تقرير أن السمة التي برزت بقوة تمثلت في "حدوث عمليات واسعة النطاق لتوجيه الناخبين من أجل التصويت لصالح "نعم"." وأضاف أن مؤيدين للتيار الإسلامي قاموا بتوجيه ناخبين "مستغلين في ذلك الشعارات الدينية من قبيل نصرة الشريعة." وقال إن القصد من التوجيه "ترجيح كفة الدستور لا سيما في ظل النتيجة غير الرسمية للمرحلة الأولى والتي أظهرت تفوق "نعم" بهامش طفيف عن "لا"." وتابع أن المعارضين "رفضوا إقحام الدين في المعادلة السياسية وتقسيم المجتمع بين شقي رحى مما ينذر بخطر جسيم على المجتمع المصري ويهدد أمن واستقرار هذا البلد." وانتشرت ملصقات تقول "نعم للدستور، من أجل المحافظة على الهوية الإسلامية لمصر"، و "أنا راح أوافق على الدستور علشان بلدي تشوف النور يا سلام لما يكون مرجعنا شرع الله وهدي رسول". وكانت المنظمات الحقوقية قالت إن الإشراف القضائي في المرحلة الأولى لم يكن كاملا وإن أعمال بلطجة وقعت كما اكتشفت أخطاء في جداول الناخبين إضافة إلى توجيه ناخبين من قبل أعضاء في جماعة الإخوان المسلمين. من جهة أخرى، امتد الخوف من المستقبل إلى رئيس الوزراء هشام قنديل الذي عينه الرئيس الإخواني محمد مرسي، فقد أكد قنديل أمس أن الاستقرار السياسي مهم لاستعادة المستثمرين الأجانب والسائحين للمساعدة على سد العجز المتزايد في الميزانية ودعم الاقتصاد. ويلوح الإخوان بتنازلات لفائدة المعارضة بعد إقرار الدستور، وانعقاد مجلس الشورى الذي يهيمنون عليه، من خلال تعديل بعض القوانين التفصيلية، وهي خطوة يقول متابعون إن الهدف منها شق صفوف المعارضة. ويتخوف محللون محليون من أن يزيد التعنت الإخواني، الذي بلغ حد الغرور، من تعميق حالة الاستقطاب القائم بالبلاد، والذي خرج من دائرة السياسي ليصبح انقساما مجتمعيا بين رؤيتين؛ واحدة سلفية متشددة تضم جماعات الإسلام السياسي، وأخرى لبقية المجتمع بمن فيها السياسيون والمثقفون والفئات المهمشة. ويخشى هؤلاء أن يؤدي نهج مرسي في التعجيل بتمرير الدستور المثير للجدل إلى الاستهانة بالمطالب الشعبية الواسعة، والخاصة بوقف ارتفاع الأسعار، وتوفير الدقيق المعد لإنتاج الخبز وضرب الاحتكار الذي سرى في فترة ما بعد سقوط مبارك بسبب غياب الرقابة الناجمة عن ضعف الدولة، فضلا عن مطالبات بحل أزمة البطالة والسكن. وقال أحد المصريين واسمه حسام الدين، وهو بائع صحف يبلغ من العمر 35 عاما في وسط القاهرة "لا يريد الناس أسعارا أعلى.. الناس مستاؤون لهذا السبب.. يوجد ركود والأمور لا تتحرك". ويتوقع المراقبون أن تزيد الوضعية الاجتماعية سوءا في ظل الاستقطاب، خاصة ان اي حكومة قادمة ستكون مهتمة بالمعارك السياسية والقانونية، وتهمل الفئات المهمشة.