الرئيس إبراهيم الحمدي، اسم ما زال يتوهج في سماء ذاكرتنا الوطنية، وما زال الحنين يشد العديد من الفئات الاجتماعية لاستحضار برهان عافية النظام السياسي إبان حكمه الذي لم يستمر سوى سنوات لا تغطي يداً واحدة ولكنها أيام تحصى بالأماني وتعد بالأخيلة. كيف تسنّى لهذا الرجل الذي شاطر جميع من سبقوه (السلال، الإرياني)، وحتى من ورثوا حكمه كالغشمي، مسئولية إدارة البلاد ومسئولية صناعة القرارات الحاسمة، ومع ذلك ظلت الذاكرة تحتفظ بشيء من البغض للغشمي، الذي أشارت صحيفة "المنار" اللبنانية أكتوبر 1977م أنه من قام بتنفيذ التصفية الجسدية للرئيس إبراهيم الحمدي، لكن الأمر عام 2011م صار أكثر تعقيداً، فأبناء الغشمي وإخوان الحمدي وأولاد الأحمر يرفعون صورة الحمدي بيرقاً لشرعنة خروجهم السافر عن طاعة ولي الأمر، وهكذا عاد الحمدي نجماً يشد الأفئدة، ولكن جريمة اغتياله توارت عن الأنظار، بل إن البعض كان قد احترف الإتجار بالدماء واستغل موسم إطلاق الاتهامات جزافاً فعلق جريمة اغتياله على النظام السابق الذي كان لم يولد بعد، وهكذا انزلق الجميع وراء أوهام طغت كالبالونات، ولكنها سرعان ما اختفت وبقي الحمدي واحداً من ألغاز التاريخ السياسي الذي يحتاج إلى كتاب يدون عنه لتبرير هذا التعليق وكشف مناقب وخصال رجل لا نعرف عنه إلاّ أنه ناصري قاد الانقلاب على الإرياني في 13 يونيو 1974، وصُرع في 11 أكتوبر 1977م. من هو الحمدي؟ هو إنسان لنتعرف على طبيعته مع أصدقائه وأقرانه وكيف كان يعمل مبدأ الوفاء ويواسي المكلوم، كم واقعة في سجل حياته تستحق أن ترصع ذاكرة الأجيال بقبس من التربية السوية والتعليم بالتجربة، لا أحد من أصدقائه كتب شيئاً، لا عبدالله عبدالعالم ولا عبدالله الحلالي رحمه الله، ولا مجاهد القهالي، وأحياناً تجمعني المصادفة بالقهالي فأتمعن فيما يقول لعلّي أجد شيئاً ينسل من فمه أو يتبادر من مواقفه يشير إلى ذلك الترابط الدفين الذي يتكاتف الجميع على التكتم عليه مع المبالغة في رفع صوره، فأعيد التساؤل: هل الصور للوجوه جميلة؟ وأحياناً المنقوشة بألوان ذكية وبملامح حزينة كتلك التي أنجزها الفنان القدير عبدالجبار نعمان، هل تصنع زعيماً؟ عرفت الأستاذ عبدالرحمن الحمدي شقيقه وقبله الأستاذة سيدة الأعمال ابتسام، كما تربطني صداقة خاصة بنجله نشوان، وكنت طوال التجربة أحاول اكتشاف الزعيم، واكتشاف الإنسان، واكتشاف البرنامج السياسي، واكتشاف الأحلام، فأجدني أعود خالي الوفاض لا أحمل من غنائم المعرفة عنه، ما يجعلني أتمسك بالاعتراف بزعامته، وأتساءل: هل هو زعيم علينا؟ لكن أقرب الناس إليه في الحزب وفي الدائرة الأسرية الضيقة، وكذا الأصدقاء يتكتمون عن تدوين سيرته، أليس هو بطلاً ويستحق أن تؤلف مدونات حول تجربة حياته، وحول تفاصيل علاقاته، هل هو الخوف أم أن الجميع كانوا يريدون الزعيم على هواهم لا كما صاغته الحياة. الحمدي ومضة في التاريخ السياسي، لماذا يتجاهله الجميع، ولا يتخلون عن إعلاء صوره وكأنها قميص عثمان، نريد أن نعرف كل شيء عن الجريمة وعن القتيل، فهل هذا الأمر صعب؟