قالوا إن الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية، وإن من احتكاك الرأي بالرأي تنبثق شرارة الحقيقة، وإن الاختلاف سنة الحياة التي فُطر عليها الإنسان، ومن الطبيعي أن نختلف في الرأي ووجهات النظر. لكن من غير الطبيعي أبداً أن نظل نختلف على طول، وأن يكون الاختلاف هو الحقيقة الوحيدة التي نؤمن بها، وآراؤنا فقط هي التي نبني عليها مواقفنا وعلاقاتنا مع الآخر المختلف معنا حداً نصل فيه إلى الخلاف والعداوة والاقتتال لا لشيء إلا تعصباً وانتصاراً لآرائنا التي نؤمن بها ولنثبت أننا نحمل الحقيقة الكاملة، وأن آراءنا هي الصواب الذي لا يقبل الخطأ. مع الأسف هذا هو الواقع العربي الذي يحكمنا اليوم ويقودنا نحو مزيد من العداوة والحقد والتشرذم الحزبي والمذهبي والطائفي،وكل يوم تتسع دائرة خلافاتنا ونبتعد عن بعضنا أكثر فأكثر، ونفقد كل الروابط التي تربط بيننا وتشعرنا أننا أمة عربية واحدة. إن ما يجري اليوم في عالمنا العربي والإسلامي من صراعات سياسية محتدمة وما تشهده عدد من الدول العربية والإسلامية من حروب دامية يتحمّل وزرها علماء الدين قبل قادة الأحزاب السياسية وقبل رؤساء الأنظمة الحاكمة أيضاً؛ لأن علماء الدين وإن اختلفت مذاهبهم إلا أن بإمكانهم أن يشكّلوا عوامل وحدة ووفاق بين أبناء الأمة العربية والإسلامية إذا ما التزموا بتعاليم الدين الإسلامي الحنيف وأخلصوا نواياهم لله تعالى وخدمة لدينه وأمته التي كانت خير أمة أخرجت للناس .. فغاية «العالم» يجب أن تكون إرضاء الخالق قبل إرضاء قادة حزبه ومشائخ مذهبه وزعماء نظامه الحاكم، وحتى يصل «العالم» إلى هذه الغاية الربانية عليه أولاً أن يتخلّى عن كل مطامعه وأهوائه وأغراضه الدنيوية ويطهّر قلبه وعقله من رجس السياسة وأدران الطائفية والتبعية المذهبية. نعم أيها السادة إن الكثيرين من علماء المسلمين حطّوا رحالهم على أبواب الحكام ورضوا أن يسخّروا دينهم ويطوّعوا علمهم لخدمة السياسة وأغراضها، وباسم الدين أشعلوا نار الفتنة المذهبية بين المسلمين، وما فتاوى الجهاد التي يطلقها القرضاوي وغيره من علماء المسلمين إلا دليل قاطع على ما وصل إليه الخلاف بين العرب والمسلمين والدور الذي يلعبه علماء الدين في توسيع دائرة الخلافات التي وصلت إلى حد تكفير بعضهم بعضاً؛ كل ذلك خدمة لأعداء الإسلام الذين نجحوا في ضرب الإسلام بمقتل وراحوا يتفرجون على خراب الدول العربية والإسلامية بيد أبنائها وبفتاوى علمائها. نحن اليوم نعيش في مأزق حقيقي وضعنا فيه علماء الدين الذين يعتبرون أنفسهم موكّلين بعباد الله وبيدهم إرسال من يشاؤون إلى الجنة وإدخال من يريدون في جهنم وبئس المصير. والمؤسف أن نسمعهم يدعون الله ويرجونه أن يدمّر ويهلك فلاناً وينصر علاناً.. إلخ وكأن الله سبحانه وتعالى لا يعلم من هو الظالم ومن هو المظلوم، من هم على حق ومن هم على باطل!!. يشعلون الفُرقة بين المسلمين ويزرعون الحقد والكراهية في قلوبهم ويدعونهم إلى قتل بعضهم بعضاً، ويدّعون أن ذلك إعلاء لدين الله وانتصار للمسلمين وجهاد في سبيل الله، فهل هذا هو الاختلاف في الرأي الذي لا يفسد للود قضية، وهل قتل المسلم أخاه المسلم جهاد في سبيل الله؟!. نحن لا نريد من الشيخ القرضاوي وغيره من علماء المسلمين سنّة وشيعة إلا أن يتقوا الله ربهم؛ ويعلموا أن الله يعلم ما يسرّون وما يعلنون، وسوف يُسألون عن كل قطرة دم أريقت بسبب اختلافاتهم وصراعاتهم السياسية والمذهبية وعن كل كلمة حق أرادوا بها باطلاً، وابتغوا من ورائها إرضاء أنفسهم وأحزابهم ومذاهبهم وسادتهم في الدنيا!!.