تصور واحدا، دخل معك في نزاع سياسي، بل وقتال، ثم للخروج من هذا الوضع تقبلان بوسيط بينكما، وتقبلان معا التوقيع على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، وتوقعان، وتلتزمان أن هذا هو أساس التسوية السياسية، ثم يتشارك معك في حكومة وفاق وطني مناصفة، ويشاركك في مؤتمر حوار وطني من أجل مستقبل الجميع، وفي هذا المؤتمر تتفقان على ضرورة التوافق بينكما حول مختلف القضايا. تكون معه في كل ذلك، ثم فجأة يقول لك: أود أن أحظر نشاطك الحزبي، أن أحرمك من حقوقك المدنية، وأريد أن أعزلك سياسيا، فلا تشارك في انتخابات ولا تتقلد مناصب عامة..ولا.. ولا.. ولا ! هل يمكن أن يكون هذا عادلا، أو ديمقراطيا، أو يتفق مع المصالحة الوطنية والوئام الاجتماعي، وهل يمكن أن يقول به، أو يقبل به عاقل؟ المراد من العزل السياسي، حرمان شخص أو أشخاص من الحقوق السياسية والمدنية بلا مبرر، فهو إذا إيقاع عقوبة على شخص أو أشخاص بلا سند.. وعندنا يثير الإصلاح وبعض شركائه حكاية العزل هذه، وفي بالهم قيادة المؤتمر، وفي المقدمة شخص رئيس المؤتمر.. عزل مصمم على مقاس شخص ليتخلصوا من منافس سياسي مرعب. وهذه النزعة الإقصائية، بل العقوبة الانتقامية، ليس لها سند، إذ كيف يمكنك تصور عقوبة على جريمة غير موجودة، أو عقوبة ليست مكتوبة في قانون، ولم تنزلها محكمة. وأزعم أن إثارة حكاية العزل السياسي، في هذا الوقت، هو رد فعل من قبل الذين لم يطيقوا رؤية المؤتمر الشعبي، وهو يحقق نجاحا كبيرا في مؤتمر الحوار، جعل معظم مكونات الحوار تحيط به كالهالة. لقد قاوم المؤتمر الشعبي مشروع الدولة الاتحادية من إقليمين جنوبي وشمالي، وقاوم فكرة القسمة على اثنين بدون ضوابط، وطرح بديلا، وهو دولة اتحادية متعددة الأقاليم -خمسة فأكثر- في ظل اليمن الموحد، فأيدته في ذلك معظم القوى السياسية، وهذا الانتصار السياسي أزعج الإصلاح فأثار مع بعض شركائه موضوع العزل السياسي، محاولة منه للفت الأنظار بعيدا عن ذلك الانتصار السياسي. قلنا قبل أيام أن هذه الزوبعة لن تدوم، فقاعة تتلاشى بالهواء، فكيف لو وضعت تحت مجهر المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، وهما أساس التسوية، وبها جاءت كل أطراف الأزمة إلى مؤتمر الحوار الوطني، ولا يمكن القبول بأن يتحول مؤتمر الحوار إلى منبر لخلق المشكلات، أو إعادة الأزمة السياسية إلى بداياتها الأولى.