دعا محسن مرزوق، القيادي بحركة نداء تونس المعارضة، إلى تشكيل "حكومة ظل من الكفاءات" يديرها الرباعي الراعي للحوار الوطني، تتولى قيادة المرحلة الانتقالية بعد استقالة حكومة حركة النهضة التي يجمع مختلف الفرقاء السياسيين على فشلها. يأتي هذا بعد أن وصلت جلسات الحوار الوطني إلى طريق مسدود بسبب تمسك حركة النهضة بمرشحها أحمد المستيري ورفضها مناقشة أي صيغة وفاقية. وأشار مرزوق على صفحته الخاصة بفيسبوك إلى وجوب أن يقوم رباعي الحوار (اتحاد الشغل والمنظمات المدنية الثلاث الأخرى) بدور "سلطة مؤقتة تعوض غياب الشرعية وتسطر برنامجا للمرحلة الانتقالية المقبلة وتتحمل مسؤوليتها في الفصل في صورة تأزم الحوار وفرض بدائل". وحث على عدم العودة إلى الحوار مع النهضة دون قبولها بإنهاء "شرعية المجلس التأسيسي" والسلطات المنبثقة عنه وهي صلاحية انتهت منذ 23 تشرين أول/ أكتوبر 2012. وأعلن الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل حسين العباسي تعليق الحوار من أجل الوصول إلى "أرضية صلبة لنجاحه" مؤكدا أنه "إذا لم تتوصل الأحزاب إلى توافق فإننا سنتحمل المسؤولية وسنقدم أسماء أشخاص نعتبرهم قادرين" على تولي منصب رئيس الوزراء. من جهته، لفت رئيس الحكومة السابق الباجي قائد السبسي وزعيم حزب نداء تونس إلى أن "تعليق الحوار لا يمكن إلا أن يغرقنا في أزمة هي أصلا خطيرة". وفي ظل انسداد الأفق، اتهمت مجموعات شبابية على مواقع التواصل الاجتماعي المعارضة بأنها ذهبت ضحية لعبة ذكية من النهضة تقوم على إغراقها بالجلسات المغلقة والوعود لربح الوقت وفرض المزيد من المقربين منها بالمؤسسات المؤثرة في الدولة. ودعت هذه المجموعات إلى تجديد العهد مع الشارع والاعتصام بالمواقع الحساسة بالعاصمة والمدن الداخلية، والدخول في عصيان مدني شامل يدفع حكومة النهضة إلى السقوط المدوي. واعتبرت أن من يعتقد أن حركة النهضة الحاكمة وافقت على الحوار مع المعارضة من أجل "تنفيذ خارطة الطريق" لإخراج البلاد من الأزمة، فهو واهم، لا لشيء إلا لأن الحركة الحاكمة ترفض من الأساس الخروج من الحكم غير أنها خيرت "الحوار من أجل الحوار" تحت ضغط شعبي كبير. وقبل بدء المفاوضات بين الحركة الإسلامية والمعارضة على اختيار اسم جديد يخلف رئيس الحكومة الحالي علي لعريض "تلكأت" النهضة كثيرا في الإمضاء على خارطة الطريق واضطر راعي المفاوضات حسين العباسي أمين عام اتحاد الشغل إلى بذل جهود مضنية لانتزاع إمضاء رئيس النهضة راشد الغنوشي. وخلال أولى جلسات المفاوضات التي خصصت لاختيار اسم رئيس الحكومة المرتقبة مارس الغنوشي شتى أشكال الضغط والعناد على المعارضة لفرض اسم مرشح النهضة أحمد المستيري على الرغم من المرونة التي أبدتها المعارضة للتوصل إلى حل بما في ذلك تخليها عن مرشحها محمد الناصر. وعلى الرغم من التكتم الشديد الذي دارت فيه المفاوضات فقد أكدت مصادر سياسية أن المعارضة اقترحت التخلي عن مرشحها محمد الناصر ومرشح النهضة أحمد المستيري من أجل التفاوض حول أسماء أخرى في محاولة منها للتقدم بالمفاوضات والتوصل إلى حل توافقي ينهي الأزمة التي تتخبط فيها البلاد. غير أن نفس المصادر أكدت أن حركة النهضة "أمعنت" في التمسك بمرشحها الأمر الذي قاد المفاوضات إلى نفق مسدود وأفشل جهود الاتحاد العام التونسي للشغل راعي المفاوضات والذي اضطر إلى إرجاء الحوار الوطني إلى أجل غير مسمى. ولم يكن تمسك الغنوشي بأحمد المستيري على اقتناع بمؤهلات الرجل بقدر ما هو إصرار من الحركة الحاكمة على عدم الخروج من الحكم. ويبلغ أحمد المستيري من العمر عتيا بعد أن ناهز 88 عاما ما يجعله غير قادر على تحمل أعباء رئاسة الحكومة التي تنتظرها ملفات حارقة وفي مقدمتها التصدي للإرهاب وحل المشاكل الاجتماعية والنهوض بالوضع الاقتصادي وهو ما يستدعي منه العمل ما لا يقل عن 12 ساعة يوميا. لكن الأهم من ذلك هو أن المستيري أحد كبار رجال الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة الذين يمقتهم الغنوشي مقتا ولا يرى فيهم سوى نخبة متغربة من العلمانيين الذين ساندوا بورقيبة طيلة فترة حكمه في بناء دولة علمانية جردت تونس من هويتها العربية والإسلامية كما يرى الغنوشي. ويقول متابعون الغريب أن الغنوشي يعرف جيدا أن المستيري هو أحد كبار "مهندسي" قانون الأحوال الشخصية الذي وضعته دولة الاستقلال وخاض معارك ضارية ضد شيوخ جامع الزيتونة الذين عارضوه بشدة، وعلى الرغم من عدم مجاهرتها ترى النهضة اليوم في ذلك القانون أنه يتعارض مع مرجعيتها العقائدية والفقهية ويتناقض مع نمط المجتمع الذي تسعى إلى بنائه.